شرح أركان الإسلام عند العلمانيين

لا نعتقد أننا بحاجة إلى التذكير بأن ما يتحكم بالموقف العلماني بشكل مكثف هو معيار مادي فلسفي غربي اعترف العلمانيون بذلك أم لم يعترفوا، وأن الخلفية الإلحادية أو الشكية أو اللاأدرية هي التي يستبطنها أغلب العلمانيين في تناولهم للإسلام، وأنه حتى الذين لم يصرحوا برفض الإسلام، ولم يجاهروا بإلحادهم وتحدثوا عن إمكانية وجود ما للإسلام، فإن الإسلام الذي يتحدثون عنه، ليس هو الإسلام الذي أنزله الله عز وجل على محمد صلى الله عليه وسلم وقال عنه: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ}(1). {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنْ الْخَاسِرِينَ}(2).

وإنما إسلام جديد يخترعونه منفتح وغير مغلق وغير مكتمل! بعكس ما أراده الباري عز وجل: {اليَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلامَ دِينًا}(3)، إنه امتداد لما سمي بدين العقل أو الدين الطبيعي كما طرحه فلاسفة النهضة الأوربيين واستعاضوا به عن النصرانية، وهكذا يسلك العلمانيون العرب درب أساتذتهم فيما يخص علاقتهم بالإسلام، فالإسلام الجديد العصري المستنير ليس من الضروري أن يقوم على خمسة أركان هي شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت من استطاع إليه سبيلاً.
فالشهادتان في الدين العلماني الجديد ليس لهما مدلول إيماني لأنه “في حقيقة الأمر وطبقاً لمقتضيات العصر لا تعني الشهادة التلفظ بهما أو كتابتهما، إنما تعني الشهادة على العصر.. ليست الشهادتان إذن إعلاناً لفظياً عن الألوهية والنبوة، بل الشهادة النظرية والشهادة العملية على قضايا العصر وحوادث التاريخ”(4).
أما الجزء الثاني من الشهادة فليس من الإسلام لأنه أضيف إلى الأذان فيما بعد إذ كان الإسلام في البداية دعوة إلى لقاء لكل الأديان(5).
والصلاة مسألة شخصية(6)، وليست واجبة(7)، وفرضت أصلاً لتليين عريكة العربي، وتعويده على الطاعة للقائد8))، وتغني عنها رياضة اليوغا وهو ما غفل عنه الفقهاء(9).
والزكاة أيضاً ليست واجبة وإنما هي اختيارية(10)، كما أنها لا تؤدي الغرض لأنها تراعي معهود العرب في حياتهم التي كانوا عليها “فهي تمس الثروات الصغيرة والمتوسطة أكثر مما تمس الثروات الضخمة.. ولم توضع للحد من الثروات الكبيرة القائمة على الربح المرتفع، فهذه لم تكن معهود العرب زمن النبوة.. ولذلك فالزكاة وحدها لا يمكن أن تنال شيئاً من الفوارق الطبقية الكبيرة لأنها وضعت أصلاً لمجتمع ليس فيه مثل هذه الفوارق الطبقية الكبيرة”(11). إن الزكاة مقدمة يحثنا فيها الإسلام على الوصول إلى الشيوعية المطلقة(12).
والصوم كذلك ليس فرضاً وإنما هو للتخيير(13)، وهو مفروض على العربي فقط، لأنه مشروط بالبيئـة العربية؛ ولذلك فالصوم بالنسبة للمسلم غير العربي مـجرد دلالـة وعبرة دينية(14) بل إن الصوم يحرم على المسلمين في العصر الحاضر لأنه يقلل الإنتاج(15).
أما الحج كذلك فهو من الطقوس الوثنية الميثية العربية القديمة التي أقرها الإسلام مراعاة لحال العرب(16) وما هو إلا تعبير عن الحنين إلى أسطورة العود الأبدي(17)، وإعادة إحياء لتلك التجربة الجنسية الدينية المقدسة التي تمت بين آدم وحواء، والحج العربي العاري في الجاهلية يؤكد المشاركة في الجنس بين الألوهية والبشر(18). كما أن تحويل القبلة والحج تعبير عن الرغبة في تعريب الإسلام وتأكيد عروبيته(19). وليس من الضروري أن يقام بطقوسه المعروفة إذ يغني عنه الحج العقلي أو الحج الروحي(20).
وهكذا تُميَّع كل الشعائر الإسلامية وتعتبر طقوساً وثنية تحدرت إلى القرآن من البيئات والأمم السابقة والجاهلية(21)، وقد مارس الفقهاء دورهم في تقنينها(22) بعكس الرسالة التي تميزت في هذا الشأن بمرونة ولكن الفقهاء ألغو هذه المرونة(23).
إن تحقيق الإسلام لمهمته الروحية قد يحصل دون أن تؤدى الطقوس والشعائر بالضرورة(24) فقد أصبحت المساجـد أوكـار الإرهـاب(25)، وبرزت معالم التخلف ومظاهره في تنامي التدين الشخصي كما هو واضح في صفوف المصلين، والحجاب واللحى(26).
إن علامات الاستسلام تتجلى في ممارسة الشخص للصلاة والزكاة وهما عملان يقدمهما القرآن على أساس أنهما محض دينيين، ولكن لا يغيب عن أنظارنا أن لهما وظيفة حاسمة من حيث الدمج الاجتماعي والسياسي للفرد، ولهما وظيفة في كسر العصبيات والتضامنات التقليدية(27)، ونحن اليوم مدعوون لإعادة النظر في الفرائض والعبادات وسؤال أهل الخبرة والاختصاص عن فوائد الصيام وأضراره اقتصادياً وصحياً(28).
وهكذا يُطمس الإسلام الرباني الذي أُرسل به محمد صلى الله عليه وسلم، ويبرز الإسلام العلمـاني المخترع بأركانه الجديدة العصرية المفتوحة، والقابلة لكل الأفهام والتأويلات، والتي لم تتوقف عند هذا الحد، لأنه لا حدود يمكن الوقوف عندها في الخطاب العلماني.
ــــــــــــــــــــــــــــــــ

1- آل عمران:19
2- آل عمران:85
3- المائدة:3
4- من العقيدة إلى الثورة؛ حسن حنفي 1/17، وانظر: التأويل في مصر أبو طالب حسنين ص:339.
5- صوت الناس.. محنة ثقافة مزورة؛ الصادق النيهوم ص:25.
6- القراءة الجديدة؛ عبد الرزاق هوماس ص:129-169 ينقل عن أركون في مصدر أجنبي له.
7- الإسلام بين الرسالة والتاريخ؛ عبد المجيد الشرفي ص:63 .
8- سلطة النص؛ عبد الهادي عبد الرحمن ص:110-111 .
9- الإسلام في الأسر؛ الصادق النيهوم ص:127-134.
10- الإسلام بين الرسالة والتاريخ؛ عبد المجيد الشرفي ص:63؛ وانظر: جوهر الإسلام للعشماوي ص:7-8 و79-80.
11- وجهة نظر؛ للجابري ص:150-151.
12- الرسالة الثانية؛ محمد محمود طه ص:155-164.
13- لبنات؛ للشرفي ص:173 فما بعد؛ وانظر الإسلام بين الرسالة والتاريخ للشرفي أيضا ص:63-64.
14- سلطة النص؛ عبد الهادي عبد الرحمن ص:109 .
15- هذا ما أعلنه الرئيس التونسي الأسبق بورقيبة وألزم به الشعب التونسي انظر (تونس الإسلام الجريح) لمحمد الهادي مصطفى الزمزمي ص:48-49.
16- الإسلام بين الرسالة والتاريخ؛ الشرفي ص:65 وانظر: النص القرآني؛ طيب تيزيني ص:154-155 وانظر: العنف والمقدس والجنس؛ تركي علي الربيعو ص:89 .
17- العنف والمقدس والجنس الربيعو ص:89 .
18- الربيعو المرجع السابق ص:89 وانظر: الأسطورة والتراث للقمني ص 165 .
19- سلطة النص؛ عبد الهادي عبد الرحمن ص:106 .
20- مجلة الكرمل؛ أركون العدد 34/1989 جزء 1 ص 23 فصلية تصدر عن الاتحاد العام للكتاب والصحفيين الفلسطينيين مؤسسة بيسان للصحافة والنشر والتوزيع -قبرص- وانظر: خالد السعيداني “إشكالية القراءة” ص 37 و انظر: رمضان بن رمضان “خصائص التراث” ص:108-109-124.
21- النص القرآني؛ طيب تيزيني ص: 154-155 .
22- تاريخية الفكر؛ أركون ص:81 .
23- الإسلام بين الرسالة والتاريخ؛ الشرفي ص:121.
24- قضايا في نقد العقل الديني؛ أركون ص:36.
25- الفاشيون والوطن ص:200 .
26- العلمانية تحت المجهر؛ العظمة ص:181.
27- القرآن من التفسير الموروث إلى تحليل الخطاب الديني؛ أركون ص:17.
28- الاجتهاد في الإسلام؛ حسين أحمد أمين ص:23.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *