العري هو التجرد الكلي من اللباس، ومن ذلك قولهم يولد الإنسان عارياً، ومفهوم العري قد يطلق على كل ما من شأنه أن يسمح بظهور العورة أو جزء منها.
والعورة كما حددها الإسلام تختلف من الرجل إلى المرأة، فعورة الرجل تقتصر على جزء محدد من جسده، أما عورة المرأة فجسدها كله عورة إلا الوجه والكفين.
وأول عري عرفه الإنسان هو عري آدم وحواء عليهما السلام لقوله تعالى: “يَا بَنِي آدَمَ لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْءَاتِهِمَا” (الأعراف).
إفساد الذين يتبعون الشهوات لأخلاق النساء
من المصائب التي حلت بالمجتمعات الإسلامية فشوّ السفور والتبرج الذي هو مطلب من مطالب أعداء الدين، ولأن ذلك مفتاح لما يريده الغرب وفاسقي المسلمين من أصحاب الشهوات والمستفيدين منها كأصحاب المراقص والملاهي الليلية والفنادق وتجار الرقيق الأبيض والمومسات وسماسرة الدعارة واللوبيات المتخصصة في الجنس داخل بلاد المسلمين وخارجها، وقد كشفهم الله سبحانه وتعالى لنا بعد أن فصل وبيَّن الأحكام الشرعية المنظمة للعلاقة بين المرأة والرجل بقوله سبحانه وتعالى: “يُرِيدُ اللّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ، وَاللّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُواْ مَيْلاً عَظِيماً، يُرِيدُ اللّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفاً” النساء.
والميل العظيم لا يتحقق إلا بشيوع الفاحشة ودواعيها، مما يفضي إلى استحلالها، كما وقع في بعض البلاد الإسلامية من إباحة القانون للزنا إذا كان عن تراضٍ.
إن معصية العري مصدر كل الويلات التي يعاني منها المسلمون، ولا زال الشيطان وأعوانه يعتمدونها أسلوبا ومكيدة ناجعة في إضلال بني آدم وإخراجهم من النور إلى الظلمات، وفي نشر الفتن بين الناس، وتحطيم قيمهم الدينية والاجتماعية، وهم في كل يوم يبتكرون نوعاً من التعري باسم الموضة، حتى ينطلي على المسلمين تزيينهم الشيطاني.
فالرقص مثلا يزينونه باسم الفن، والسباحة والعَدْو بلباس البحر باسم الرياضة ورفع علم البلاد، ومهرجانات الرقص وعبدة الشيطان باسم الثقافة، والاستهزاء بالدين والإلحاد باسم حرية التعبير..، وهذا تنفيذا لقسَمِ الشيطان الرجيم يوم خلق الله الإنسان أخبرنا به الله تعالى في كتابه العزيز تحذيرا للمؤمنين برسله حيث قال: “قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَلأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ”، والمعنى: ربِّ بسبب ما أغويتني وأضللتني لأحسِّنَنَّ لذرية آدم معاصيك في الأرض, ولأضلنهم أجمعين عن طريق الهدى.
فإذا تعرى الإنسان انتصر الشيطان، فالتعري هو الجانب البهيمي في الإنسان، هو الغريزة الحيوانية قبل التهذيب، فإذا سمح الإنسان لنفسه بالتعري سهل عليه ارتكاب كل ما يمليه عليه شيطانه من آثام وموبقات، وفقد حِسَّ التمييز بين ما هو مقبول دينيا وأخلاقياً واجتماعياً وعرفياً، وبين ما هو مرفوض وغير مقبول بكل مقاييس البشرية، وقد يجد لذلك أعذاراً واهية، وأفكاراً عرجاء خرقاء لا تستقيم.
إذا كان التبرج في الإسلام منهيا عنه وهو دون التعري بكثير “وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى” (الأحزاب) فماذا يمكننا أن نقول عن التعري الكلي في الشواطئ، وشبه الكلي في الأسواق والشوارع، لقد كانت المرأة في الجاهلية تتبرج، ولكن جميع الصور التي تروى عن تبرج الجاهلية الأولى تبدو ساذجة أو محتشمة حين تقاس إلى تبرج أيامنا هذه.
إن التعري هو إذاية للمرأة قبل غيرها، فهو يعرضها لمضايقات كثيرة أبسطها الكلام الفاحش، والمغازلة الهابطة الدنيئة التي تخدش كبرياءها، أما إن كانت ترتاح لكلام ونظرات الساقطين الشهوانية إلى جسدها المكشوف بدون أدنى شعور بالخجل فذاك قبح عقلي وفكري وأخلاقي، وخواء وجداني وروحي، استسلمت للأوهام، ورمت نفسها في أحضان اللئام لنهش لحمها ورمي عظمها في مزبلة الزمان، وبئس المصير، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “صنفان من أهل النار لم أرهما: قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات، مميلات مائلات، رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة، لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا”، ومعنى “كاسيات عاريات”: التي تستر بعض بدنها وتكشف بعضه إظهاراً لجمالها، وقيل: معناه تلبس ثوباً رقيقا يصف لون بدنها.
الموضة والأزياء
اللباس من شعارات الأمم، وكل أمة لها لباس يخصها، صحيح أن الإسلام لم يعين للرجل أو المرأة لباساً معيناً لا يجوز له ألا يلبس سواه، لكنه وضع ضوابط شرعية للباس المرأة والرجل، فإذا لبست المرأة المسلمة لباساً غربياً تقليداً للغربيات، وتشبهاً بهن، واتباعا لهن، وأخذا بالموضات كما هو حاصل فهذا محظور ومنهي عنه شرعا، “ومن تشبه بقوم فهو منهم”، ثم إن التشبه في الظاهر يؤدي إلى تشبه في الباطن، وإلى التأثر بأخلاق وعادات المتشبَّه بهم، ولذا فإن المرأة المسلمة مطالبة بالابتعاد عن اتباع نساء الغرب في “موضاتهن” وأزيائهن وبالتزام أحكام اللباس التي أمرها بها ربها سبحانه ونبيها صلى الله عليه وسلم، قالت عائشة رضي الله عنها: “يرحم الله نساء المهاجرات الأول لما أنزل الله (وليضربن بخمرهن على جيوبهن) شققن مروطهن فاختمرن بها” رواه البخاري.
ثم إن المستفيد من ذلك هم تجار اليهود والنصارى الذين يملكون غالبية بيوت الأزياء ومحلات صناعة الألبسة في العالم بأسره.
كما أن المساهمة في اقتناء وترويج مثل هذه الألبسة هي مساهمة في تنفيذ خطط العلمانيين، تجار النخاسة في إغراق بلاد المسلمين بالألبسة الفاضحة والقصيرة، فأحدنا لا يستطيع أن يجد لابنته الصغيرة لباسا ساتراً فضفاضاً إلا بشق الأنفس، ولذا فنحن بحاجة إلى حماية لدين المستهلك مثل حماية المستهلك من جشع التجار، فيحمى المستهلك من الغزو التغريبي للمرأة المسلمة في لباسها وفي لباس ابنتها، وعلى التجار المسلمين أن يفرضوا ويشترطوا اللباس المقبول عند المسلمين الذي يستجيب للشروط الشرعية، وألا يكون لباسا فاضحا ولا ضيقا ولا كاشفا، والشركات الصانعة إنما تريد المال ولأجله تصنع لك أي شيء تريده، فإذا ترك لها الحبل على الغارب صنعت ما يضر بأخلاق المسلمين.