لماذا يسمح العلمانيون للرجل بتعدد الخليلات ويطالبون بحرمانه من تعدد الزوجات؟! مصطفى الونسافي

للأخلاق في الإسلام منزلة عظيمة، بل هي بمثابة قطب الرحى، ليس فقط عند أهل الإسلام وإنما لدى كل الأمم والشعوب، وعلى مدار التاريخ؛ وبقدر تمسك أمة من الأمم بالفضائل وبعدها عن الرذائل يكون تماسكها الاجتماعي واستقرارها السياسي والاقتصادي.
ولما أدرك الغرب هذه الحقيقة، وعلم أن الأخلاق هي رأسمال المسلمين المتبقي بعدما خسروا كل مظاهر العز والتمكين، سعى بكل وسيلة، وحشد كل الإمكانيات لضرب هذا المقوم وإضعاف حضوره في حياة المسلمين، تارة بالتشويه، وتارة بالتحريف، وأخرى بسن قوانين دولية، يفرضها الغرب على دولنا بالترغيب والترهيب من خلال مؤسساته ومنظماته التي يقال إنها أممية ومستقلة.
والمرأة باعتبار دورها المحوري في تنشئة الأجيال وإسهامها الكبير في التربية، فإنها ركن أساسي في بناء منظومة الأخلاق، وبالمقابل فهي يمكن أن تكون معول هدم وعامل انحطاط وانتكاس قيمي خطير؛ ومن ثم فلا غرابة أن تكون المرأة المسلمة هدفا لمخططات الغرب الرامية إلى إفساد المجتمعات الإسلامية، وأن ينصب جهد خصوم الأمة على محاولة تفكيك وتدمير منظومة القيم الإسلامية التي تعد اليوم آخر الحصون في مواجهة الحرب على عقيدة الأمة وهويتها.
تقول الكاتبة الأمريكية «هيلسيان ستانسبري»: «إن المجتمع العربي كامل وسليم، ومن الخليق بهذا المجتمع أن يتمسك بتقاليده التي تقيد الفتاة والشاب في حدود المعقول؛ وهذا المجتمع يختلف عن المجتمع الأوربي والأمريكي، فعندكم أخلاق موروثة تحتم تقييد المرأة، وتحتم احترام الأب والأم، وتحتم أكثر من ذلك عدم الإباحية الغربية التي تهدم اليوم المجتمع والأسرة في أوربا وأمريكا.. امنعوا الاختلاط، وقيدوا حرية الفتاة، بل ارجعوا إلى عصر الحجاب، فهذا خير لكم من إباحية وانطلاق ومجون أوربا وأمريكا». (1)
وتلك شهادة من عقر دار الغرب، من امرأة عاشت وعايشت حياة من تنظر إليهن كثيرات من بنات الإسلام على أنهن محظوظات ينعمن برغد العيش، بحقوق كاملة وكرامة تامة وجناب مصون؛ بيد أن كلام الكاتبة الأمريكية يكشف عن مقدار السفالة وحجم المأساة التي يعانيها المجتمع الغربي جراء استبعاد الدين وإقصاء الأخلاق من تأطير حياة الناس، والاستعاضة عن ذلك بأفكار الملاحدة وفلسفات الشواذ وتنظيرات الشهوانيين، الذين نظروا للإنسان على أنه مجرد آلة تأكل وتشرب وتتناسل، وجعلوا -بناء على ذلك- كل القوانين والنظم في السياسة مستجيبة وملبية لتلك الشهوات، بغض النظر عن كل ما يزيحه أو يفسده إشباعها، في السياسة، والاقتصاد، والثقافة، والإعلام، والحرب، والسلم، والحياة الاجتماعية، ومناهج التربية وكل جوانب الحياة؛ فلا إله عندهم، والحياة مادة، كما قرر ماركس.
وتبرز قضية تعدد الزوجات في الإسلام كواحدة من القضايا التي صنع الغرب منها شماعة يعلق عليها بعضا مما تعانيه المرأة المسلمة، مما هو ناتج أصلا عن ابتعاد المسلمين عن منظومة الأخلاق المستقاة من هدي الكتاب والسنة؛ فصوروا لها التعدد على أنه وحشية لا ترتضى، وشهوانية غير مقبولة، وانتقاص لحق المرأة لا يستساغ، وظلم لها، وإهانة لكرامتها، إلى غيرها من الافتراءات المبللة بدموع التماسيح.
ولأن نصوص الشرع واضحة وصريحة في مشروعية التعدد، ومعلومة للمسلمين ذكورا وإناثا، فإن خصوم الأمة لعبوا على حبال الكذب، والتدليس، وقلب الحقائق، أملا في إحداث تناقض وهمي بين شرعة اللطيف الخبير وواقع الحياة بإكراهاتها ومتطلباتها؛ وليس انتشار التبرج والعري والاختلاط، وما تبعه من شيوع العلاقات بين الجنسين خارج إطار الزواج، إلا جانبا من حالة الاستلاب الثقافي الذي تعيشه نساء وفتيات مسلمات فقدن بوصلة الهوية، فصِرن تائهات لا يهتدين إلا بما تمليه عليهن دور الأزياء العالمية، والتي أسس معظمَها يهود وشواذ، من أمثال «جورجو أرماني»، و«رالف لورين»، و«كريستيان ديور»، و«إيف سان لوران»، و«كالفن كلاين» وغيرهم.
ولأن «الزانية ودت لو أن كل النساء زواني» فإن الغرب الغارق في أوحال الرذيلة يريد من المسلمين أن يمنعوا التعدد، لتشيع بذلك -ولابد- العلاقات المحرمة، وما ينجم عنها من عاهرات وأولاد غير شرعيين، أو «أمهات عازبات وأطفال طبيعيين» بتعبير جمعيات فرنسا، التي تسعى بكل ما أوتيت من دولار ويورو إلى إنجاز خطة الإلحاق الحضاري، حتى «تنعم» ديارنا وأجيالنا بنمط العيش الحيواني الذي أبدعه اليهودي «سيغموند فرويد».
ولكن «كيف يجرؤ الغربيون على الثورة ضد تعدد الزوجات المحدود عند الشرقيين، ما دام البغاء شائعا في بلادهـم؟! فلا يصح أن يقال عن بيئة إن أهلها موحدون للزوجة ما دام فيها إلى جانب الزوجة الشرعية عشيقات من وراء ستار!
ومتى وزنا الأمور بقسطاس مستقيم ظهر لنا أن تعدد الزوجات الإسلامي الذي يحفظ ويحمي ويغذي ويكسو النساء، أرجح وزنا من البغاء الغربي الذي يسمح بأن يتخذ الرجل امرأة لمحض إشباع شهواته، ثم يقذف بها إلى الشارع متى قضى منها أوطاره».(2)
إنه كلام ثمين فيه إنصاف وشهادة بالحق، وجدير بنا أهل الإسلام أن نقف عنده لنعلم فضل الله علينا بأن هدانا لأقوم منهاج وأعدل طريق، وإن كان الأصل هو الاكتفاء بنصوص الشرع وتلَقِّيها باليقين والتسليم، لكننا نسوق مثل هذه النقول عن غير المسلمين لعلمنا بالضياع والتيه اللذان يعانيهما كثير من المسلمين، حتى ولوا وجوههم شطر بلاد الكفر والإلحاد، منخدعين بحضارة ليست كما تبدو عليه؛ والكلام التالي شاهد آخر:
تقول العالمة الألمانية الدكتورة «زيغريد هونكه» رحمها الله، والتي اعتنقت الإسلام بعد بحث ودراسة مطولة: «لا ينبغي للمسلمة أن تتخذ المرأة الأوربية أو الأمريكية أو الروسية قدوة تحتذيها، أو أن تهتدي بفكر عَقَدي مهما كان مصدره، لأن في ذلك تمكينا جديدا للفكر الدخيل المؤدي إلى فقدها مقومات شخصيتها، وإنما ينبغي لها أن تستمسك بهدي الإسلام الأصيل، وأن تسلك سبيل السابقات من السلف الصالح، اللاتي عشنه منطلِقات من قانون الفطرة التي فُطرن عليها، وأن تلتمس العربيةُ لَدَيهن المعايير والقيم التي عِشن وفقا لها، وأن تكيف تلك المعايير والقيم مع متطلبات العصر الضرورية، وأن تضع نصب عينيها رسالتها الخطيرة الممثلة في كونها أم جيل الغد، الذي يجب أن ينشأ عصاميا يعتمد على نفسه».(3)
ــــــــــــــــــــــــــــــ
-(1) لكي لا يتناثر العقد، عبد الرزاق المبارك.
-(2) الأديان المنتشرة في الهند، أني بيزانت.
-(3) شمس العرب تسطع على الغرب، زيغريد هونكه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *