هل هي دعوة لتحكيم الفقه المالكي أم للتخلص منه؟ عبد الصمد إيشن

مرة بعد أخرى، تثار قضايا الإرث في المغرب، مرة بشكل فردي وشخصي من قبل بعض المعارضين لأحكام الإرث، ومرة بشكل جماعي، وفي الآونة الأخيرة، تصاعدت الدعوات التي تحاجج في موضوع تعديل الأحكام القطعية بمنطق مراجعة الإرث وفق اجتهادات داخل الفقه المالكي، وهي أصوات حداثية لا تعرف لا الفقه المالكي ولا غيره.

ولا يمكن لهؤلاء أن يفهموا ما يدعون إليه من مراجعة نظام الإرث في الإسلام أو غيرها من الدعوات دون استيعاب المنظور الإسلامي للمال، حيث نجده فرعا من أصل، وجزء من كل، وهو مبدأ الاستخلاف في الكون، فالله تعالى جعل الإنسان خليفة في الأرض، وبما أن المال بكل أنواعه جزءا من الأرض، فإن الإنسان مستخلف في المال ضرورةً، لذا قال عز وجل: “آمنوا بالله ورسوله وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه”، ولم يقل جل وعز: وأنفقوا من أموالكم، أو: أنفقوا من ممتلكاتكم، أو غيرها من العبارات.

ولم ينسب المال للإنسان حقيقةً، بل جعله مجرد مستخلف فيه. مما يعني أن التصرف المستقل في المال هو لمالكه حقيقةً، وهو الله تعالى.

لذا يتدخل بأحكامه الحكيمة في الأموال، فيفرض الزكاة، ويحرم معاملات بعينها، ويبيح أخرى. ولو كانت للإنسان الملكية التامة للمال، لكانت عنده الحرية المطلقة في التصرف فيه، ولمَا تدخل الله تعالى فيه بإيجاب زكاة أو ترغيبٍ في صدقة أو غيرهما.

وهذه النظرة الإسلامية للمال، تخالفها النظرة الأخرى، وهي النظرة القارونية التي لا تؤمن بالاستخلاف، قال تعالى عنه: “وآتيناه من الكنوز ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة أولي القوة”، وفي هذه الآية تنصيص على أن الله تعالى هو الذي آتاه المال والكنوز، لكن قارون أنكر هذا الإتيان الإلهي، وزعم أنه -باستقلال تام ومطلق- حصل على تلك الأموال، فقال: “إنما أوتيته على علم عندي”، وأنْ لا دخل لله تعالى في ثروته.

رغم أن الخطاب الملكي وضع إطارا لتعديل المدونة، لكن الكلام انتقل من إصلاح المدونة وتماسك الأسرة وحقوق الطفل وحقوق المرأة وحقوق الرجل، وهذا لا إشكال فيه، إلى المطالبة بالمناصفة في الإرث من طرف دعاة الحداثة.

وبالتالي كل من يدعو للإجتهاد مع وجود نص قطعي الدلالة في موضوع الإرث فإنه يلعب بالنار ويحاول نسف الدين من أصله. وهذا طريق مخالف لتاريخ وإجماع هذه الأمة منذ قرون.

ودعاة الحداثة يجب أن يكونوا واضحين في مطالبهم لكي يتعرف عليهم الشعب المغربي بوضوح عكس ما يسلكه بعض دعاة الحداثة، بلجوئهم للحديث عن استضعاف المرأة في نظام الإرث الإسلامي، وأخذ حقوقها من طرف الذكور. متغافلين عن كون المرأة في الإسلام لا تعتبر موضوعا مجزّءاً. إذ المرأة التي لها حقوق في الإرث هي ذاتها التي لها حقوق عند زوجها، واجب عليه الوفاء بها.

ودعاة الحداثة لما يطالبون بتدخل الفقهاء بتجديد وفتح باب الاجتهاد من داخل الفقه المالكي لتغيير النصوص الواضحة في موضوع الإرث فإنهم يكشفون عن مزاعمهم الحقيقية المتمثلة في نسف الفقه من أصله.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *