ظهر مصطلح الثورة الجنسية حسب الباحثين منذ عشرينيات القرن الماضي، متأثرا بكتابات فرويد حول التحرر الجنسي.
خلال الستينيات أخذت تحدث تغييرات واسعة بخصوص الطريقة الذي ينظر بها المجتمع إلى الجنس، كان من شأنها إعلان عصر جديد من إلغاء التحفظات المرتبطة بالجنس من بعض النواحي وتنحية طريقة التفكير التقليدية، كما أدت إلى نشوء تشريعات جديدة خاصة بالسلوك الجنسي.
ثم ظهرت ثقافة جديدة هي “الحب الحر” حيث اعتنق ملايين الشبان مذهب (الهيبيز( وأخذوا ينشرون أفكارهم عن قوة الحب وجمال الجنس كجزء فطري من الحياة الطبيعية.
كان الهيبيز يؤمنون بأنّ الجنس ظاهرة بيولوجية فطرية لا يجب إنكارها أو كبتها. وأن المواقف التقليدية السابقة التي كان يتخذها المجتمع تجاه الموضوع كانت منافقة ومتعصبة للذكور.
أدى التحرر الجنسي هذا إلى فتح المجال للإتيان بأمور منها: حرية الجنس سواءً كان المرء متزوجًا أم لا، منع الحمل، حبوب منع الحمل، العري العلني، حركة تحرير المثليين الجنسيين، الدعوة إلى تحرير الرغبة بالإجهاض، حقوق المرأة وحركة تحرير المرأة أو الأنثوية.
في أواخر السبعينيات والثمانينيات، بدأ استغلال ما كسبه المجتمع من حريات جنسية جديدة عبر استثمارات كبيرة تتطلع إلى الاستفادة من المجتمع الأكثر انفتاحًا، وتمثل هذا ببدء ظهور المواد الإباحية والفاضحة علنًاً، وبعد بداية السينما بدأ المجتمع في صراع ثقافي بين ما يشاهد في شاشة السينما من مشاهد فيها نساء فاتنات وتقبيل ومعانقة ومواقعه.
واستمر الأمر بعد اختراع التلفزيون الذي أصبح موجودا في البيت العائلي، ومع مرور الوقت بدأت صناعة إباحية إعلامية من أفلام ومجلات وقصص.
في المغرب الحرية الجنسية ظهرت كمطلب للحركات اليسارية الراديكالية في أواخر الستينيات والسبعينيات حيث عاش الشبان والشابات المغاربة الثورة الجنسية التي عاشتها البلدان الغربية في تلك المرحلة.
تطور الأمر فيما بعد، إلى أن عبرت الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، المعقل الحقوقي لليساريين المغاربة، عن مطلب إلغاء الفصل 490 من القانون الجنائي، الذي ينص على معاقبة جريمة الفساد وإقامة علاقة جنسية بين رجل وامرأة لا تربط بينهما علاقة الزوجية، لأنه بحسبها يتناقض مع ثقافة حقوق الإنسان، ونظراً لعدم تقديمه الضمانات الكافية لحماية الحقوق الفردية من الانتهاك، وهي في كل ذلك تقصد الحريات الجنسية وحرية التصرف في الجسد.
الجمعية وانسجاماً مع نفسها عندما تدافع عن حقوق الإنسان ككل لا يتجزأ وبدون انتقائية، لم تتورع في إعلان موقفها هذا جهاراً وعلى رؤوس الأشهاد بجرأة، وبطريقة تدريجية وتصاعدية.
هذه الدعوات وهذا التطور ضمن الإطار الذي ذكرنا، أنتج فعلا ثورة جنسية، تجلت في التطبيع مع العري، باعتباره حقا مكتسبا ومصونا، والتطبيع مع كل وسائل الإثارة والإغراء، تحت غطاءات عدة، منها الفن والغناء والتمثيل والموضة والإعلام، النتيجة سعار جنسي، يتم تصريفه على مستويات وأشكال عدة، بدءا من الدعارة وتجارة البشر، مرورا بالتحرش والابتزاز والاستغلال الجنسي، وانتهاء بالاغتصاب وزنا المحارم.
وسجلت إحصاءات جمعية “ماتقيسش ولدي” في المغرب أكثر من 70 اعتداء جنسي على الأطفال في اليوم ووفقا لهذه الاحصاءات فإن أكثر من 26 ألف حالة تسجل في السنة الواحدة.
وحسب المرصد الوطني لحقوق الطفل كانت هناك 102 حالة اغتصاب معلن عنها سنة 1999 و210 حالة سنة 2001 و400 حالة سنة 2002.
وكشفت إحصائيات للمرصد أنه استقبل خلال الفترة ما بين 2000 و2009؛ 3708 حالة اعتداء على الأطفال من بينها أكثر من 1000 شكاية تتعلق بالاعتداء الجنسي.
وكشف الائتلاف المغربي ضد الاعتداء الجنسي على الأطفال، عن وقوع 935 حالة اعتداء جنسي على الأطفال، مصرح بها، في المغرب خلال سنة 2015. بزيادة بنسبة 10 في المائة، مقارنة مع الفترة ذاتها من عام 2014 التي سجلت فيها 850 حالة، و768 عام 2013، و713 في 2012.
وهكذا بالنسبة للتحرش وزنا المحارم والاغتصاب والدعارة والاستغلال الجنسي، أرقام مخيفة وتصاعدية سنة بعد أخرى، بمعنى أن ظاهرة الاعتداء الجنسي، والبحث عن متعة جنسية مختلفة، وتجريب كل صورها، في طريقها إلى التفشي والانتشار على جميع المستويات، وسط جو مشحون بكل وسائل الإغراء والإثارة، يشجع عليها ويدفع باتجاهها.
إن ما وصلت إليه المجتمعات من سعار جنسي، وما جنته من الثورة الجنسية والانفجار الجنسي، ما هو إلا نتيجة طبيعية لفتح الباب على مصراعيه، أمام الشهوة البشرية ومتعلقاتها وتوابعها وأسبابها، دون ضوابط أو قواعد أو قيود، حتى أصبح من الصعب التحكم فيها، وستسير البشرية إلى الهاوية إن لم يتدارك عقلاؤها الأمر، بالعودة إلى تعاليم شرع الله، التي تتفق على ضبط هذا الأمر بأحكام تحقق الغاية بلا إفراط ولا تفريط.