تعديل القانون الجنائي.. واستئناف العمل بالشريعة الإسلامية

تعديل القانون الجنائي.. واستئناف العمل بالشريعة الإسلامية

لماذا اخترنا الملف؟

اتسم النقاش الأخير حول تعديل بعض فصول القانون الجنائي بالحدية، وبلغ في بعض الأوقات تطرفًا أثار الرأي العام، وبعد أن هدأت الأوضاع، وفتر الحديث قليلا حول هذا الموضوع، يتعين علينا الهدوء واستعمال لغة العقل بدل الانسياق وراء العواطف الجياشة والجري وراء السراب وتقليد الآخر.

فالقانون الجنائي المعمول به حاليا يحتاج فعلا إلى تعديل، وقد كان هذا مطلب كثير من السياسيين والوطنيين وعلماء المغرب، لكن يبقى السؤال الجوهري هو عن نوع هذا التعديل، هل هو تعديل يراعي هوية ودستور هذا البلد؟ أم هو تعديل ينبني على مرجعيات دخيلة، ويعمل على تطبيع نموذج قيمي وسلوكي وافد؟

المغرب ومنذ أكثر من ثلاثة عشر قرنًا كان يحكم بالشريعة الإسلامية، وكان القانون الجنائي المعمول به مستمدًا من نصوصها، وقد ظل الأمر على هذا الحال إلى دخول الاحتلال الفرنسي، الذي أقصى العمل بالشريعة، واستبدلها بالقوانين الوضعية المعمول بكثير منها حتى الآن، وعوَّض المحاكم الشرعية بالمحاكم القنصلية.

وكما قال الشيخ المكي الناصري رحمه الله في بحثه القيم (مراكش بين الحماية والحكم المباشر): فـ”الواقع أن تاريخ الاستعمار الفرنسي علمنا دائما بأن أهم غرض من أغراضه هو إدماج الأمة الواقعة تحت سلطته، وإقامة القانون الفرنسي فيها على أنقاض قوانينها الأولى، ولذلك لم تكد فرنسا تطأ أقدامها أرض المغرب حتى شرعت في تأسيس المحاكم الفرنسية، وصرح مقيمها العام ليوطي (بأن تأسيس عدلية منظمة كاملة، هو على رأس الالتزامات الجوهرية التي يتضمنها انتداب أوربا لفرنسا في المغرب).

وعقب الاستقلال طالب الوطنيون والعلماء بإلغاء العمل بالقوانين الوضعية التي فرضها المحتل، وهذا ما تم التوافق حوله، حيث أصدر الملك محمد الخامس -رحمه الله- “أمره بتأسيس لجنة لتدوين الفقه الإسلامي استعدادا لجعله القانون الرسمي للدولة في جميع المحاكم التي أخذت تسير في طريق التوحيد”. (دفاع عن الشريعة).

فـ”لم يكن يخطر ببال أحد من المناضلين الأولين، أن القانون الذي وضعه الفرنسيون لمقاصد استعمارية، سيصبح المتحكم في كل النشاط الإسلامي في المغرب”، كما قال الزعيم علال الفاسي رحمه الله.

لكن ما كان يخشاه العلماء والوطنيون هو ما وقع بالفعل، وحاق بالمغاربة المكر الفرنسي، الذي كان يخطط لإرساء “دولة مغربية مشابهة للدول الأوربية موحدة متمركزة، محكمة حكما نظاميا، طبقا لقوانين محدودة” كما يقول السويولوجي الكولونيالي روبير منتاني. (كتاب “البربر والمخزن” ص:414 للشيخ المكي الناصري رحمه الله).

خلاصة القول، إن النخبة المغربية كما كانت تسعى للتخلص من الاحتلال العسكري الفرنسي، كانت تسعى أيضا للتخلص من ترسانته التشريعية والقانونية والقضائية، لكنها لم تنجح في ذلك، وهذا لم يدفعها للعجز واليأس، حيث ظلت ترفع هذا المطلب للملك عبر مختلف القنوات التي يمكنها أن توصل هذا الخطاب.

ومن لم يطلع على تاريخ المغرب، ويتابع هذه المحطات البارزة، يخيل إليه أن رفع هذا المطلب أمر محدث، ومعاكسة للتطور الطبيعي للمجتمع، وربما يدعي أيضا أنه توظيف سياسوي للجماعات الإسلامية.

وهذا ما يدعيه المنتمون للتيار العلماني، ممن يناصب العداء للمرجعية الإسلامية، ويعمل على سلخ المجتمع من دينه وقيمه وهويته.

 

لماذا اخترنا الملف؟

اتسم النقاش الأخير حول تعديل بعض فصول القانون الجنائي بالحدية، وبلغ في بعض الأوقات تطرفًا أثار الرأي العام، وبعد أن هدأت الأوضاع، وفتر الحديث قليلا حول هذا الموضوع، يتعين علينا الهدوء واستعمال لغة العقل بدل الانسياق وراء العواطف الجياشة والجري وراء السراب وتقليد الآخر.

فالقانون الجنائي المعمول به حاليا يحتاج فعلا إلى تعديل، وقد كان هذا مطلب كثير من السياسيين والوطنيين وعلماء المغرب، لكن يبقى السؤال الجوهري هو عن نوع هذا التعديل، هل هو تعديل يراعي هوية ودستور هذا البلد؟ أم هو تعديل ينبني على مرجعيات دخيلة، ويعمل على تطبيع نموذج قيمي وسلوكي وافد؟

المغرب ومنذ أكثر من ثلاثة عشر قرنًا كان يحكم بالشريعة الإسلامية، وكان القانون الجنائي المعمول به مستمدًا من نصوصها، وقد ظل الأمر على هذا الحال إلى دخول الاحتلال الفرنسي، الذي أقصى العمل بالشريعة، واستبدلها بالقوانين الوضعية المعمول بكثير منها حتى الآن، وعوَّض المحاكم الشرعية بالمحاكم القنصلية.

وكما قال الشيخ المكي الناصري رحمه الله في بحثه القيم (مراكش بين الحماية والحكم المباشر): فـ”الواقع أن تاريخ الاستعمار الفرنسي علمنا دائما بأن أهم غرض من أغراضه هو إدماج الأمة الواقعة تحت سلطته، وإقامة القانون الفرنسي فيها على أنقاض قوانينها الأولى، ولذلك لم تكد فرنسا تطأ أقدامها أرض المغرب حتى شرعت في تأسيس المحاكم الفرنسية، وصرح مقيمها العام ليوطي (بأن تأسيس عدلية منظمة كاملة، هو على رأس الالتزامات الجوهرية التي يتضمنها انتداب أوربا لفرنسا في المغرب).

وعقب الاستقلال طالب الوطنيون والعلماء بإلغاء العمل بالقوانين الوضعية التي فرضها المحتل، وهذا ما تم التوافق حوله، حيث أصدر الملك محمد الخامس -رحمه الله- “أمره بتأسيس لجنة لتدوين الفقه الإسلامي استعدادا لجعله القانون الرسمي للدولة في جميع المحاكم التي أخذت تسير في طريق التوحيد”. (دفاع عن الشريعة).

فـ”لم يكن يخطر ببال أحد من المناضلين الأولين، أن القانون الذي وضعه الفرنسيون لمقاصد استعمارية، سيصبح المتحكم في كل النشاط الإسلامي في المغرب”، كما قال الزعيم علال الفاسي رحمه الله.

لكن ما كان يخشاه العلماء والوطنيون هو ما وقع بالفعل، وحاق بالمغاربة المكر الفرنسي، الذي كان يخطط لإرساء “دولة مغربية مشابهة للدول الأوربية موحدة متمركزة، محكمة حكما نظاميا، طبقا لقوانين محدودة” كما يقول السويولوجي الكولونيالي روبير منتاني. (كتاب “البربر والمخزن” ص:414 للشيخ المكي الناصري رحمه الله).

خلاصة القول، إن النخبة المغربية كما كانت تسعى للتخلص من الاحتلال العسكري الفرنسي، كانت تسعى أيضا للتخلص من ترسانته التشريعية والقانونية والقضائية، لكنها لم تنجح في ذلك، وهذا لم يدفعها للعجز واليأس، حيث ظلت ترفع هذا المطلب للملك عبر مختلف القنوات التي يمكنها أن توصل هذا الخطاب.

ومن لم يطلع على تاريخ المغرب، ويتابع هذه المحطات البارزة، يخيل إليه أن رفع هذا المطلب أمر محدث، ومعاكسة للتطور الطبيعي للمجتمع، وربما يدعي أيضا أنه توظيف سياسوي للجماعات الإسلامية.

وهذا ما يدعيه المنتمون للتيار العلماني، ممن يناصب العداء للمرجعية الإسلامية، ويعمل على سلخ المجتمع من دينه وقيمه وهويته.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *