إسبانيا: طرفان في علاقتها بالمغرب محمد زاوي

 

في كل بلد قوى متصارعة، تعبر كل منها عن مصلحة. كذلك هي إسبانيا، حيث يتصارع طرفان: طرف يحمي تركة فرانكو، وآخر يسعى إلى القطيعة مع الفترة الفرنكاوية. ولا يتواجد الطرف الأول في جهاز بعينه، وإنما في عدة أجهزة، أبرزها الجيش الإسباني/ المخابرات والكنيسة الإسبانية (1):

– الجيش الإسباني/ المخابرات: والأرجح أن هذا الجهاز هو الذي دبّر استقبال المدعو إبراهيم غالي، قائد عصابات “البوليساريو” الانفصالية، بجواز سفر مزور، وبالتنسيق مع المخابرات والعسكر الجزائريين.

– الكنيسة الإسبانية: إذ لم يطرأ على هذه الكنيسة إصلاح ديني (2)كالذي طرأ على بقية الكنائس الأوروبية، كالكنيستين الفرنسية والبريطانية. وتفسير عدم وقوع هذا الإصلاح راجع إلى تأخر الثورة الاجتماعية البورجوازية في إسبانيا، وبصمود الإقطاع تصمد إيديولوجيته الدينية. ولما كانت البورجوازية الرجعية الإسبانية (العسكرية خاصة) في حاجة إلى إيديولوجية دينية استغلالية استعمارية، فإنها لم تجد طوعَ يديها إلا إيديولوجية الكنيسة الإسبانية بحمولاتها الرجعية التي لم يطرأ عليها إصلاح ديني.

يعتبر عبد الصمد بلكبير الطرف الرجعي في إسبانيا أقلية، ونقيضه الليبيرالي صاحب أغلبية. وجاء في تصريح له: “المغرب يدعم الموقف الليبرالي داخل إسبانيا، وهو ضد جناحها اليميني المتطرف فقط. وهناك توجه قوي داخل إسبانيا يدعو إلى العلاقات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية مع المغرب، والأقلية اليمينية المتطرفة تريد أن تفسد ذلك”. (3)

وربما هذا المعنى هو ما أكده “تصريح وزارة الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج حول الأزمة المغربية الإسبانية”، في إحدى فقراته: “في هذه الأزمة المغربية الإسبانية الخطيرة، يميز المغرب على الدوام وبشكل واضح بين الشعب الإسباني وبعض القادة السياسيين ذوي الرؤية البعيدة الذين يقدرون الصداقة مع المغرب وحسن الجوار، من جهة، وفئة من السياسيين الحكوميين والإعلاميين وبعض الفاعلين الجمعويين، الذين يجهدون في استغلال قضية الصحراء المغربية والإضرار بمصالح المملكة، إنهم الأشخاص أنفسهم المطمئنين لخلاصاتهم الدوغمائية التي عفا عنها الزمن، والذين يواصلون النظر إلى المغرب من منظور متعالٍ يمتح من موروثات الماضي الاستعماري السيء الذكر”.(4)

وما يدل على أقلية التيار الرجعي الفرنكاوي في إسبانيا، من خلال الفقرة أعلاه، كثير. ومنه ما ورد فيها من عبارات: “الشعب الإسباني” (فالشعب غير الفئة)، “فئة” (مِن فئات)، “الأشخاص” (مجرد أشخاص وليسوا بنية مسيطرة نافذة).

ولا يدل هذا الاعتبار على عدم تأثير التيار الفرنكاوي في قرارات الدولة الإسبانية ومواقفها، وخاصة منها تلك المرتبطة بسبتة ومليلية والجزر والصحراء المغربية، وتلك المرتبطة بالعلاقات المغربية الإسبانية عموما. بل إنه أثر، وما زال يؤثر في هذه العلاقات. ومن أمثلته الماضية، تأثيره في “الاتفاق السري” بين المغرب وإسبانيا عام 1976، الذي بموجبه خرجت إسبانيا من الصحراء المغربية. فقد قبل (5) المغرب “تجميد مطالبته بالمدينتين (سبتة ومليلية، لمدة عشر سنوات)، بحكم عدم إثارة التراث الفرنكاوي في الجيش والإدارة لإنجاح عملية الانتقال الديمقراطي (في إسبانيا)”. (6)

هوامش:

(1): عبد الصمد بلكبير، حوار مع سبوتنيك عربي.

(2): نفسه.

(3): نفسه.

(4): “تصريح وزارة الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج حول الأزمة المغربية الإسبانية”، في 31 مايو 2021.

(5): سيتم خرق هذا القبول سنتين بعد ذلك من طرف محمد بوستة/ وزير الخارجية آنذاك. (حسين مجدوبي، سبتة ومليلية والجزر: الآفاق والتساؤلات، كتاب شراع، الطبعة الأولى، 1999، ص 23).

(6): من المرجع نفسه ص:23.

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *