هل كان ابن تيمية وأهل الشام أعداء لأهل البيت؟

تحسر رفيقي على (ما فعله ابن تيمية في باب فضائل آل البيت وأنه تأثر بالبيئة لكونه شاميا -وأهل الشام أعداء آل البيت- فأنكر عدة أحاديث في فضلهم. لذلك فكثير من مظاهر النصب موجودة في كتابات ابن تيمية فيجب الحذر منها كما يقول رفيقي.
وحاول ابن تيمية أن يتكلم في حديث الموالاة وأنكر قسما منه. وذكر أن ابن تيمية أجهد نفسه في أن يبطل كون علامة المنافق عدم حب علي، مع أنه ثابت بنص حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ولهذا نصح رفيقي عند القراءة عن الصحابة بتجنب كتابات أمثال هؤلاء -يقصد علماء السنة كابن تيمية وابن العربي كما صرح بنفسه-، لأنهم ينطلقون من خلفية).
قال الشيخ باحو: وكم قفَّ شعري مِن ذكره أن العلماء تأثروا بالكتابات قبلهم والتي تأثرت بالسياسة، وتناسوا أو تغافلوا أو جهلوا على حد زعمه أن هذه الكتب ألفت في ظروف سياسية قاهرة وضاغطة وتماشوا مع هذا النصب الموجود في كتب المتقدمين فبدأوا يأصلون له.
ولا بأس أن نُذَكِّره بأن الله سائله يوم القيامة عن هذه الاتهامات الشنيعة بحق علماء السنة وسيقفون أمام الملك الجبار فليُعد للسؤال جوابا. ومتى كان علماؤنا يُأَصِّلون للنصْب الذي هو العداء لآل البيت وتنقصهم؟ ويا ليت الأستاذ أراحنا من تكلف الجواب عن أقواله هذه، فلنا في العلمانيين أعداءِ الدين ما يشغلنا.
وابن تيمية شيخ الإسلام وإمام الأئمة جهبذ متثبت ناقد خبير، ولسنا في وزن من يتكلم في تلاميذه فضلا عنه هو نفسه. فلا نطيل. ولا نعلم من يتهم ابن تيمية بالنصب إلا الروافض. والأحاديث التي ضعفها أغلبها هو مسبوق بمن تقدمه من الحفاظ، وما تكلم فيها من قِبَله هو أهل للكلام فيها ونقدها بإجماع حفاظ عصره فمن بعدهم.
ولنقرأ هذا الحوار الذي دار بين ابن تيمية ومقدم المغول بولاي، لعل فيه جوابا من ابن تيمية نفسه عن هذه الشبهة: قال في مجموع الفتاوى (4/487): وبذلك أجبت مقدم المغول بولاي لما قدموا دمشق فى الفتنة الكبيرة وجرت بيني وبينه وبين غيره مخاطبات فسألني فيما سألني: ما تقولون في يزيد فقلت: لا نسبه ولا نحبه؛ فإنه لم يكن رجلا صالحا فنحبه، ونحن لا نسب أحدا من المسلمين بعينه.
فقال: أفلا تلعنونه؟ أما كان ظالما؟ أما قتل الحسين؟
فقلت له: نحن إذا ذكر الظالمون كالحجاج بن يوسف وأمثاله نقول كما قال الله في القرآن: {ألا لعنة الله على الظالمين}. ولا نحب أن نلعن أحدا بعينه وقد لعنه قوم من العلماء، وهذا مذهب يسوغ فيه الاجتهاد، لكن ذلك القول أحب إلينا وأحسن.
وأما من قتل الحسين أو أعان على قتله أو رضي بذلك فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل الله منه صرفا ولا عدلا.
قال: فما تحبون أهل البيت؟ قلت: محبتهم عندنا فرض واجب يؤجر عليه، ثم ذكر حديث: “إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي”.
وقال: قلت لمقدم: ونحن نقول في صلاتنا كل يوم: “اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد.
قال مقدم: فمن يبغض أهل البيت؟
قلت: من أبغضهم فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل الله منه صرفا ولا عدلا.
ثم قلت للوزير المغولي: لأي شيء قال عن يزيد وهذا تتري؟
قال: قد قالوا له: إن أهل دمشق نواصب.
قلت بصوت عال: يكذب الذي قال هذا؛ ومن قال هذا فعليه لعنة الله.
والله ما في أهل دمشق نواصب؛ وما علمت فيهم ناصبيا. ولو تنقص أحد عليا بدمشق لقام المسلمون عليه. لكن كان قديما لما كان بنو أمية ولاة البلاد: بعض بنو أمية ينصب العداوة لعلي ويسبه، وأما اليوم فما بقى من أولئك أحد. انتهى.
وفي كلام ابن تيمية هذا ما يكفي لمن أراد الله به خيرا.
علما أن بعض ما ذكره ابن حجر في الدرر الكامنة في ترجمته يحتاج إلى أدلة واضحة عوض إرسال الكلام على عواهنه إنه قيل وقيل… ولم نجد شيئا من ذلك في كتبه.
وابن تيمية جهر بمعارضة الصوفية والأشاعرة والرافضة والدروز وغيرهم من الفرق التي كانت في زمانه، وعارض التعصب المذهبي، وكان يشتد أحيانا على بعضهم، وكل ابن آدم خطاء، فرموه عن قوس واحدة وألبوا عليه الحكام والعامة وسجن مرات وأوذي ومات في سجنه رحمه الله.
وأشاعوا عنه أكاذيب بحق علي رضي الله عنه وتناقلتها ألسن بعض المغرضين، فصار المؤرخ إذا تعرض لترجمته لزمه نقل ما ذُكر عنه من باب الأمانة العلمية، فيظن من وقف على ذلك أنه فعلا كان يرى ذلك.
مع أن كتب الرجل منتشرة وموجودة، فلِمَ نلجأ إلى قال وقيل، ونترك كتبه ماثلة بيننا؟
وهذا شيء غير خاص به، بل علي رضي الله عنه في ترجمته أخبار كثيرة باطلة عنه وأقوال مكذوبة، فليست العبرة بأنه ذكرها فلان وعلان ولكن العبرة هل صحت عنه أم لا؟
وخصوصا وأن بعض الذين ذكروا عنه بعض ذلك؛ كالسبكي الأب والابن مثلا بينهم وبينه خلاف في العقائد يمنع من قبول قول بعضهم في بعض؛ لأنهم أقران؛ وقد فصلتُ ذلك في كتابي “كلام الأقران بعضهم في بعض”.
ونصح الشيخ باحو ذ.رفيقي بمطالعة كتاب “شيخ الإسلام ابن تيمية لم يكن ناصبياً” لسليمان بن صالح الخراشي الذي نشرته دار الوطن بالرياض سنة 1419هـ/1998م. ففيه بيان شاف في الموضوع.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *