اعتبر موليم لعروسي في مقال له نُشر في مجلة “زمان” ع:105-106 (غشت-شتنبر 2019)، تحت عنوان “la revanche des tolbas”، أن مناهضة قانون فرنسة التعليم، أتاحت الفرصة لعودة الطُّلبة للمشهد العام قصد الانتقام من الاستعمار والمستعمرين باعتبار ذلك معركة حياة أو موت بالنسبة لهم، بعدما هُزموا أكثر من مرة وصاروا على هامش التاريخ.
فكيف عاد هؤلاء الطلبة إلى المشهد العام لمناهضة قانون “فرنسة التعليم”، وهم الذين قال عنهم: ليسوا سوى مرددين للكتاب المقدس وبعض شروحه، والذين تم إقصاؤهم من الحياة الاجتماعية بفضل المدرسة الحديثة التي سلحت خريجيها باللغات الأجنبية المتمثلة في لغة وحيدة هي الفرنسية؟
لقد بيّن الكاتب أن هؤلاء “ّالطلبة” الذين لا يفقهون شيئا في إدارة الناس والمجتمع لأنهم مجرد حفاظ بيولوجيين لا يحتاجون لتطبيق ما يحفظونه لفهم أو تفكير، وليعطي الدليل على دونيتهم وتأخرهم وعمالتهم عرج في تعريف الطالب على الفهم الدارج الذي يصف الطالب بأنه حافظ القرآن الكريم المنتسب للقرويين أو الزيتونة أو الأزهر.
وبعد عودة الحروب الدينية التي جاءت بعد الثورة الإيرانية اتخذ مفهوم “الطلبة” أهمية دولية بفضل تلاميذ المدارس القرآنية الأفغانية والباكستانية، حيث اكتشف العالم الغربي هذا المصطلح تحت اسم “طالبان” وهو يعني مصطلح الطُلبة بالمغرب، مضيفا أن الذي نفض عن طالبان الغبار هي مصلحة سرية باكستانية بالتعاون مع “CIA” لاستخدامها ضد الاحتلال السوفياتي.
وهكذا يظهر أن الباحث المشهود له بالتمكن يقدم فدلكة تدليسية مشوشة على فئة مجتمعية لم يقو في تطوافه التاريخي والجغرافي على النيل من وطنيتها وانتمائها للمغرب ونضالات أبنائه ضد الاستعمار والعملاء عبر التحقيب الذي أراده قبل الاحتلال وأثناء الاحتلال والآن.
الغريب في الأمر أنه وهو الباحث المتمكن جعل المناهضين للفرنسة هم “الطلبة” الذين ذهبوا للبادية وحفظوا القرآن الكريم وشروحه، ثم عادوا للمدن وحولوا مجتمعها في العمق على مستوى القوانين والمواقف والملابس نحو ما ينادون به، مع أنهم لا يزيدون حسب زعمه عن مرددين للشرع بدون تفكير ولا روية، وكأن الناس بلا تفكير ولا يعرفون مصالحهم، مع أن نجوم الغناء والسينما والفنون تتربع على أفكار هؤلاء الناس، مستفيدين من وسائط الاتصال المختلفة التي حرم منها “الطلبة” بعدما وضعوا على هامش التاريخ.
لكن المدهش في التحليل أن الباحث يقول بأن “الطلبة” عادوا للعمل السياسي بالرغم من أنه لا قاعدة توفيقية وعملية لديهم، فهم وعاظ وسيبقون كذلك، دون معرفة بالحياة المعاصرة، لذلك باؤوا بالخسران، وهم في عودتهم الأخيرة لإدارة معركة التعليم باللغات الأجنبية الممثلة في الفرنسية معتبرينها معركة حياة أو موت مستحضرين مجددا الاستعمار والمستعمرين سيبوؤون بالخسران مجددا على نفس القاعدة التي زعم.
فهل كان من الضروري للدفاع عن “فرنسة التعليم”، أن يقوم باحث متمرس بهذا التلبيس على القارئ، فيلوح بالثورة الإيرانية، ويتحدث عن الحروب الدينية، وعمالة طالبان للمخابرات الأمريكية، والتذكير بتصدر خريجي المدارس العصرية للمجتمع وقيادته وإقصاء الطلبة.. وغيرها من الإيحات التخويفية والتغويلية والتقديحية والظهور بمظهر المطلع على النوايا والمقاصد من الدفاع عن الهوية الوطنية وفضح المخطط الاستعماري في العودة للهيمنة مجددا على المغرب من باب اللغة الفرنسية التي لم تغادره منذ أن دخلت والتي لم يفلح عبيدها في توطينها بدل استعمالها فقط؟!
ولمن يوجه كل هذا التهديد والوعيد؟ ولصالح من هذا الاستعداء؟