يرى الغرب أن الإسلام هو القوة التي تقف في وجه مخططاتهم للسيطرة على العالم الإسلامي.. لأنها قوة روحية وفكرية، وهم يخشون من روح المواجهة مع هذه القوة الإسلامية.. ومن هنا وضعوا إستراتيجيتهم لتدمير الإسلام النقي، والعمل على تغريبه فكرا ومنهجا وطريقة، بهدف الحياد به عن أصوله ومبادئه، فعملوا على تحقيق ذلك من خلال قاعدة العولمة، فبدؤوا بالالتفاف حول الجماعات المسلمة في المؤتمرات، وبتمويل الأبحاث التي تقدم صورة الإسلام وفق المنهجية الغربية، وتكوين طليعة من الرموز لخدمة الأهداف والمصالح الغربية، والعمل على إيجاد (الإسلام الجديد) الذي ينادي بشعارات إسلامية داخل إطار الأهداف والسياسات الغربية، وبالتالي تطويع الفكر الإسلامي من خلال عولمة القيم الغربية، وهذا الأسلوب في الحرب والتدمير من أخطر الأساليب وأشدها مكرا وأقلها ظهوراً، كما أنه أقل تكلفة من شن الحروب المتتالية على البلدان الإسلامية.
وفي الوقت الحاضر نجد أن المؤسسات الأكاديمية والمنظمات غير الحكومية، ومراكز ومؤسسات الدراسات والأبحاث الغربية زادت من اهتمامها بمسألة التدين والقيم داخل المجتمعات المسلمة خصوصا بعد سقوط الاتحاد السوفياتي وانبعاث الصحوة الإسلامية، فتولوا تمويل وتأطير دراسات اجتماعية وذلك لرغبتهم في:
– معرفة مدى تمكن الإسلام الذي يعوق سيطرتهم على مصير الأمة من نفوس معتنقيه.
– قياس درجة نفاذ القيم العلمانية وسيطرتها على بنية القيم الاجتماعية والدينية لدى المسلمين.
– إدراك ما تبقى من الوعي الديني لدى المسلمين.
– معرفة قابلية المسلمين ورغبتهم في الرجوع إلى تطبيق الشريعة الإسلامية.
– مدى قناعتهم في توجيه الدين للحياة العامة للناس؟
إلى غير ذلك من المعطيات والاستنتاجات والمعلومات التي تفيدهم في حسن تصور حقيقة المجتمعات الإسلامية حتى يحسنوا وضع المخططات والاستراتيجيات الكفيلة باستمرار هيمنتهم الاقتصادية والفكرية.. من أجل استنزاف مقدرات البلدان الإسلامية، مما يكرس التخلف والتبعية والخضوع.
محاصرة الغرب للتدين في المجتمعات الإسلامية
إن الغرب من خلال مؤسساته ومنظماته المتجدرة ودعمه للمدّ العلماني داخل الدول الإسلامية يحاصر أي صحوة دينية لأنها تضع المنهج العملي لأسلوب التغيير الحالي بعد انحرافه، والرجوع به إلى عصر النبوة والخلافة الراشدة، حين كان الإسلام هو القوة العظمى، وهم بذلك يحاولون قمع (العولمة الإسلامية) بل وقمع أي استراتيجيات وتنظيمات إسلامية، وإبعادها عن المفهوم الإسلامي الصحيح الذي يعبر عن روح الأصالة لدى المسلم وفق هدي الدين الإسلامي الحنيف، كما جاء في القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، ومنهج السلف الصالح.
فألصقوا بكل دعوة ترتكز على الكتاب والسنة مصطلحات من قبيل (الأصولية الإسلامية)، وهو مصطلح غير إسلامي وذو حمولة سياسية غربية ليرسخوا في أذهاننا تطابق خصائص من يُطلق عليهم (الأصوليين الإسلاميين) مع مصطلح (الأصوليين الغربيين)، وقد عرّف قاموس “لاروس الصغير” سنة 1966م الأصولية الغربية بأنها: “موقف أولئك الذين يرفضون تكييف العقيدة مع الظروف الجديدة”.
ولمزيد من التفكك وترسيخ المفاهيم الخاطئة أطلق الغربيون مصطلحات أخرى شاذة بدأ المسلمون بتكرارها وترديدها فظهر: مصطلح (الوهابية) و(التقليديون) و(الإرهاب الإسلامي) و(الأصولية الإسلامية) و(الإسلام الثقافي) و(الإسلام الكلاسيكي)، وشوهوا بذلك صورة المسلمين من خلال المؤسسات الإعلامية الغربية، بالتعاون مع بعض المؤسسات غير الحكومية.
ولو تمعنا في الكتابات والدراسات الغربية لفهمنا أسباب حقدها وكرهها للإسلام الحقيقي، فهم في كتاباتهم يدعون إلى الحذر وقمع أي شكل من أشكال الصحوة الإسلامية في العالم الإسلامي لأنهم يرون أن التقدم والانتصار الإسلامي يشكل خطرا على المصالح الغربية السياسية والاقتصادية في إفريقيا وآسيا والدول العربية. فدعوا إلى الحد من المد الإسلامي، ومن ذلك محاربتهم للدعوة السلفية لأنها ركزت على فكرة التوحيد ونزهت العبادة من البدع، فهي الحركة التي قامت بالدفع الايجابي لتكوين طليعة من دعاة الإصلاح في العالم الإسلامي ونتج عن ذلك قدرتهم على مواجهة الاحتلال.
ولأن أعداءنا لا يريدون ظهور مثل هذه الحركات الإصلاحية، بدؤوا بضربها من خلال اتهامها بالإرهاب، علما بأن موجة الإرهاب التي عمت العالم ومست وطننا نبعت بالأصل كردة فعل للسياسة الأمريكية، ثم استغلت لزعزعة الأمن في بلادنا. وبذلك اختلط الأمر على الكثيرين وبدأت الأمور بالتشابك وانعدمت رؤية الحقيقة، لأنهم استخدموا وسائل أخرى لغزونا، كتشتيتنا فكريا، وتشكيكنا في بعضنا البعض، للقضاء على المسلمين بيد المسلمين أنفسهم، والعمل على تصفية حقيقة ومنبع الإسلام وهذا ما نشاهده الآن يحدث على كل الجبهات وفي كل الاتجاهات.. وهو الأمر الذي يتطلب منا أن نواجه أعداءنا بالسلاح الذي يخشونه.. وهو عقيدتنا والعمل على تصفيتها مما ألحق بها من الشوائب، وأن نرجع بإسلامنا لمنبعه الأصلي وهو الكتاب والسنة ليكون اعتقادنا على أسس سليمة وعن علم واتباع لا عن تقليد وابتداع..