إن أجلّ ما في القرآن الكريم؛ أسماء الله تعالى وصفاته، وهي المُعَرّفة بالله تعالى، بل هي أقرب الطرق وآمنها لمعرفة الرب الخلاق؛ فلو أن باب بيتك طرق لكانت أقرب الوسائل للتعرف على الطارق أن تسأله هو عن نفسه، ولا تحتاج إلى استعمال الأقيسة وإتعاب العقل لإدراك من الطارق؟
وأسماء الله تعالى حسنى؛ أي حسنة على وجه الكمال، فهي بالغة الحسن؛ لأن حسنى على وزن فعلى؛ مؤنث الأحسن؛ قال سبحانه: {الله لا إله إلا هو له الأسماء الحسنى}.
ووجه الحسن في أسماء الله أنها دالة على مسمى الله فكانت حسنى لدلالتها على أحسن وأعظم وأقدس مسمى وهو الله عز وجل.
وأسماء الله تعالى لا تحصى عددا:
لقوله صلى الله عليه وسلم: “أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو أنزلته في كتابك أو علمته أحداً من خلقك أو استأثرت به في علم الغيب عندك” [رواه أحمد والحاكم وصححه].
فـ”ما استأثر الله تعالى به في علم الغيب لا يمكن لأحد حصره ولا الإحاطة به”.
ومن أحصى مِن أسماء الله تعالى تسعة وتسعين اسما دخل الجنة:
لقول النبي صلى الله عليه وسلم: “إن لله تسعة وتسعين اسماً مائة إلا واحداً من أحصاها دخل الجنة” [متفق عليه].
وقد بين الإمام ابن القيم في كتابه بدائع الفوائد (1/164) أن الإحصاء على ثلاثة مراتب:
1- إحصاء ألفاظها وعددها
2- فهم معانيها ومدلولها
3- دعاء الله تعالى بها
وأسماء الله تعالى تتضمن صفاته العلى التي وصف الله تعالى بها نفسه.
وباب الصفات مكمل لباب الأسماء في التعريف بالله عز وجل، ولذلك ذكر الله لنا صفاته كما ذكر أسماءه؛ كصفات الرحمة والسمع والبصر والعين والاستواء والنزول والقدرة والحكمة والقوة والغضب والوجه واليدين والعلم والحياة..
وإثبات صفة لله تعالى متوقف على الدليل من القرآن أو السنة الصحيحة؛ فلا يصح نسبة صفة إلى الله تعالى إلا بدليل.
قال سبحانه: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} [الأعراف/33].
وقال عز من قائل: {أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} [الأعراف/28]
والواجب في صفات الله إثباتها مع اجتناب التشبيه أو التمثيل أو التكييف؛ لقول الله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى/11] ، وقوله: {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا} [مريم/65] وقوله: {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} [الإخلاص/4].
فلا يجوز للعبد أن يعتقد بأن صفة من صفات الله تعالى تشبه صفة مخلوق أو تماثلها، كما يحرم أن يعتقد أو يتوهم بأن لها كيفية معينة.
وبسبب الإخلال بهذا الأصل العظيم حصل انحراف خطير في باب الأسماء والصفات الإلهية؛ حيث ظهر في الأمة من يشبه الله بخلقه، كما وجدت طوائف فهمت من إثبات الصفات لزوم تشبيه الله بخلقه، فنفت الصفات أو بعضها بذريعة تنزيه الله عن مشابهة المخلوق فوقعت في محظور التعطيل، وجعلته تأويلا واجبا..
قال شيخ مشايخنا؛ العلامة محمد سالم ولد عبد الودود رحمه الله:
وَمَا نَقُولُ فِي صِفَاتِ قُدْسِهِ *** فَرْعُ الَّذِي نَقُولُهُ فِي نَفْسِهِ
فَإِنْ يَقُلْ جَهْمِيُّهُمْ كَيْفَ اِسْتَوَى *** كَيْفَ يَجِي فَقُلْ لَهُ كَيْفَ هُوَا
لاَ فَرْقَ بَيْنَ مَا سَمِيُّهُ يُعَدْ *** وَصْفًا لَنَا كَعِلْمٍ أَوْ جُزْءًا كَيَدْ
البَابُ فِي الجَمِيعِ وَاحِدٌ فَلاَ *** تَكُنْ مُعَطِّلاً وَلاَ مُمَثِّلاَ
يَأْتِي يَجِي يَكْشِفُ عَنْ سَاقٍ يَضَعْ *** قَدَمَهُ عَلَى جَهَنَّمَ يَسَعْ
بِفَضْلِهِ الخَلْقَ يَدَاهُ بِالْعَطَا *** مَبْسُوطَتَانِ كَيْفَ شَاءَ بَسَطَا
كِلْتَاهُمَا فِي يُمْنِهَا يَمِينُ *** فَهْوَ بِذَا مِنْ خَلْقِهِ يَبِينُ
يَرَى وَلاَ يَرَاهُ مِنَّا ذُو بَصَرْ *** حَتَّى يَمُوتَ مِثْلَ مَاجَا فِي الخَبَرْ
يَسْمَعُ يُبْصِرُ يُحِبُّ يَعْجَبُ *** يَضْحَكُ يَرْضَى يَسْتَجِيبُ يَغْضَبُ
يُبْغِضُ يَطْمِسُ الوُجُوهَ يَطْبَعُ *** يَقْبِضُ يَبْسُطُ وَيُعْطِي يَمْنَعُ
يَخْفِضُ يَرْفَعُ يُعِزُّ وَيُذِلْ *** يَكْرَهُ يَمْقُتُ وَيَهْدِي وَيُضِلْ
يُقْبِلُ يُعْرِضُ يَتُوبُ يَرْحَمُ *** يَأْخُذُ مِنَّا الصَّدَقَاتِ يُطْعِمُ
ثم قال:
أَحَاطَ بِالنَّاسِ وَأَيْنَمَا يُوَلْ *** مُسْتَقْبِلٌ فَتَمَّ وَجْهُ اللهِ جَلْ
قَدِ اِسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَاسْتَوَى *** بَعْدُ عَلَى العَرْشِ بِخُلْفِ المُحْتَوَى
وَلَيْسَ كَاسْتِوَائِنَا نَحْنُ عَلَى *** الْفُلْكِ وَالأَنْعَامِ بَلِ العَرْشَ حَمَلْ
وَحَامِلِيهِ وَإِلَى دُنْيَا السَّمَا *** يَنْزِلُ كُلَّ لَيْلَةٍ لاَ مِثْلَ مَا
يَنْزِلُ مَخْلُوقٌ بِإِخْلاَ حَيِّزِ *** مِنْهُ وَشُغْلِ حَيِّزٍ فَمَيِّزِ
وَهْوَ العَلِيًُّ لاَ تَحدُّهُ جِهَهْ *** ضَلَّ المُعَطِّلَةُ وَالمُشَبِّهَهْ