أعطى الإسلام للوالدين مكانة خاصة، وقد فرض الله سبحانه وتعالى برَّ الوالدين في القرآن، وهذا معلوم للكافة، كما فرض الله سبحانه وتعالى على الوالدين بر الأولاد أيضاً في آيات كثيرة، وفي أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم أيضاً، ويبدأ هذا من تسمية المولود بالاسم الحسن، وحسن تربيته، والقيام على نفقته، وتعليمه القرآن، والإحسان إليه ذكرًا كان أم أنثى، وهذا كثير في القرآن وفي السنة، فإذا حدث أن تخلى الوالد، أبًا كان أو أمًّا، عما فرضه الله سبحانه وتعالى عليه، فإنه يجد ذلك في عقوق أبنائه له، فالله سبحانه وتعالى يقول: “فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ، وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ”، فعدم قيام الآباء بواجبهم تجاه أولادهم في الصغر من القيام على حسن تربيتهم التربية الإسلامية الصحيحة، التي تغرس فيهم مكارم الأخلاق، والعمل بوصايا القرآن والسنة، وتعظيم الوالدين وإيفائهما حقهما.. يجعل الأبناء يشبّون وهم بعيدون تمام البعد عن تعاليم الدين، وينشئون على أن الدين أمر هامشي في الحياة، وبهذا يجني الآباء ثمرة تقصيرهم في حق الأبناء.
فغياب كل من الأب والأم خارج المنزل لفترات طويلة مهملين لأبنائهم، فالأب في طلب حثيث للمادة، والأم أيضاً معظم وقتها خارج المنزل، والأولاد إما مع المربية أو أمام التلفاز، فيستقي الأبناء جل ثقافتهم من هذه الشاشة، التي تعمل ليل نهار على نسف منظومة الأخلاق والقيم بنشر العري والتبرج والخلاعة والمجون.. كل هذا مع غياب القدوة وعدم الرقابة الأسرية، فتفاجأ الأسرة بعد ذلك بأن الولد لا يطيع أباه، والفتاة تهين أمها ولا تسمع لها أمراً، ثم بعد ذلك نشكو العقوق.
وفي هذا الصدد نشير إلى أن الغرب الآن ينادي بعودة المرأة للبيت نتيجة لانتشار معدلات الجرائم هناك، والحل هو قرار المرأة في البيت لإعادة التوازن الأسري، وهذا بالتأكيد سيقلل معدلات جرائم بالذات من جانب الآباء والأبناء.
وغير خاف أن عملية الهدم المنظم للقيم الدينية والتقاليد الاجتماعية -التي أقامها الإسلام- على يد الإعلام الغربي والعلماني على مدى 30 سنة الماضية سبب رئيس من أسباب الظاهرة. وهناك قطاعات عريضة من المجتمع تعيش دون أدنى رعاية أو توجيه على المستوى الديني والخلقي والتعليمي، مما يؤدي إلى كثرة الانحرافات السلوكية التي تصل في ذروتها إلى جرائم الأرحام الغريبة والدخيلة على مجتمعنا.
إن علاج العقوق إنما يكون باتباع منهج الإسلام في تربية الأولاد لا في شيء سواه، وقد أمرنا الله في القرآن الكريم أن نقي أنفسنا وأهلينا النار، فقال تعالى في سورة التحريم: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً”، إن كثيرًا من الآباء والأمهات يشكُون من عقوق الأبناء أو من بعض سلوكياتهم المنحرفة، وينسى الآباء والأمهات أن فرصة التربية قد ضاعت منهم إما في زجر الأبناء في وقت لا يستدعي الأمر إلى زجر، أو في التقليل من شأن الأبناء في وقت يحتاج الابن فيه إلى من يعتني به ويرعاه. ومضت السنوات والأبُ غافل عن ابنه، إما بالتجاهل لحياة ابنه وما يَلزَمها في كل مرحلة، أو بالغرق في نمط من الحياة بعيدًا عن ضرورة رعاية الأبناء، والأم كذلك لاهية عن أبنائها في أمور أَنْسَتْهَا مهمتَها الأساسية في الحياة، فلا تأخذ الابنة من أمها حنانًا وقت الاحتياج إلى الحنان، ولا تَلقَى الابنة حزمًا وقتما تحتاج إلى حزم، ولا تنال الابنة حق الصداقة والفهم وقت أن احتاجت البنت إلى صداقة الأم، فسادَ التنافرُ جوَّ الأسرة باسم الحياة المعاصرة.
والعجيب أننا لو تأملنا المجتمعات التي يقال عنها: “معاصرة” لوجدنا علماء تلك المجتمعات يعودون إلى منهج الإسلام ليأخذوا منه قواعد التربية الصحيحة للأبناء لا كَدِينٍ من عندنا يجب عليهم اتباعه، ولكن من وجهة “اجتماعية” تضمن لهم سلامة حياتهم الاجتماعية.
التعليم العلماني سبب رئيس وراء انتشار العقوق في المجتمع
يعزو بعض المختصين في مجال التربية انتشار العقوق داخل مجتمعنا إلى ارتفاع نسبة التعليم في المجتمع، وتعلم المرأة على وجه الخصوص، حيث جعل التعليم العلماني المرأة تشعر بذاتها وتفردها، بعد أن كانت هذه الذات مندمجة في الذات الجماعية للأسرة، وأصبح للمرأة صوت ضاغط على زوجها. وللأسف الشديد فإن متغير التعليم هذا، كان في معظمه تعليماً علمانياً يغرس بدوره الأنانية وحب الذات، وعدم الحض على التعاون، مما جعل الزوجة تقتنع بما يقال لها عن المساواة مطلقا، وأنها لا تقلُّ عن زوجها.
وقد ارتبط تعليم المرأة بعملها في الوقت نفسه، واستخدمت هذا العامل في الضغط على زوجها، ويزداد تعقد القضية حينما يحتاج الزوج لمرتب زوجته في ظروف الحياة الاقتصادية الصعبة.
وهناك عامل مهم وحاسم في هذا الموضوع وهو أن التعليم المدني لم يواكبه تعليم ديني يحضُّ على بر الوالدين، ويوصي بالاعتناء بهما وبصلة الأرحام، واعتبار ذلك أمرا شرعيا يلزم المسلم الامتثال له، لدرجة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حرم الجنة على قاطع الرحم، وبدلا من أن نغرس هذه التربية الدينية في نفوس أبنائنا غرسنا فيهم أفكاراً علمانية مصادمة تماماً للدين، وملغية لدوره في الحياة والمجتمع.