إذا استثنينا أدوات المؤامرة الصفوية في المنطقة، فإنه لا خلاف بين عاقلين على أن ما جرى في مملكة البحرين مؤخرا شرٌّ مستطير، وإنْ لم تنجح الخطة الخبيثة في بلوغ غاياتها المرعبة، فوقى الله شرها.
لقد كانت المؤامرة مُحْكَمة في التحضير لابتلاع المجوسية الجديدة مملكة البحرين تحت ستار ثورة مصطنعة، تتخفى وسط ضباب التغيير الشعبي المتنامي في العالم العربي، بدء من تونس فمصر، مرورًا بمعطيات التحوّل الجلية في كل من ليبيا واليمن.. والحبل على الجرار كما يقال.
ولا نذيع أسرارًا عندما نذكِّر بأن مشروع الهيمنة على البحرين بخاصة والخليج العربي كله بعامة، ليس وليد اللحظة الراهنة، وليس من إنتاج دولة “الولي الفقيه” التي قامت على يد الخميني قبل أكثر من ثلاثين عامًا؛ إذ إن الطمع الفارسي بالبحرين يرجع إلى نظام الشاه البائد، غير أن نظام الملالي الذي خَلَفَه تبنَّى الرؤية الساسانية نفسها، بالرغم من رفع الراية “الإسلامية” المزعومة!!
فمن أعاجيب نظام “آيات الله” أنه جاء نقيضًا لنظام الشاه رضا بهلوي وولده ما عدا المقت العنصري للعرب الذين أزالوا إمبراطورية “عبادة النار” من الوجود.. والفارق اليتيم بين النظامين ينحصر في اتجاه الشاه نحو العلمنة، بينما يتخفى النظام الصفوي الخميني وراء غلالة دينية صفيقة، جعلتهم أشد أذى من أسرة بهلوي؛ حيث تم تسخير الشيعة لخدمة المشروع الصفوي الكريه!!
ولذلك بقيت نتائج غطرسة الشاه في الجوار لم يمسسها سوء؛ فالخليج ظل عند أدعياء الإسلام يحمل تسمية الفارسي؛ ورفضوا تسميته الخليج الإسلامي!! بل إن هؤلاء الدجالين لن يقبلوا أن يحمل اسم خليج عليٍّ أو الحسين، اللذين يتباكيان عليهما ويغلوان فيهما ليل نهار!!
لقد أصاب ملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة مؤخرًا كبد الحقيقة بإشارته إلى أن التآمر المجوسي على بلاده ليس طارئًا، وإنما يبلغ من العمر زُهاء ثلاثة عقود من الزمن.
ولأن الرجل أدرك أن تنازلاته المتوالية للقوم منذ تسلمه مقاليد الحكم في المنامة لم تزدهم إلا طمعًا وغرورًا، فإنه سارع إلى استدعاء قوات درع الجزيرة، التي لم تُنْشأْ قبل ثلاثين سنة إلا لمثل هذه الحالات الطارئة لحماية الأمن المشترك لبلدان الخليج العربية من الأطماع المريضة للصفويين الجدد، الذين أظهروا غاياتهم البغيضة تحت شعار “تصدير الثورة.”
وجُنَّ جنون القوم فأخذوا يعربون عن سخطهم بسفاهة في استنكار الخطوة البحرينية المباغتة؛ لأن هذه الصفعة المفاجئة جاءت بمنزلة نعيٍ رسمي لخطتهم الخبيثة، في هذه المرحلة على الأقل؛ فعملاؤهم من حملة الجنسية البحرينية اعتبروها احتلالاً!!
وهو اتهام صحيح في عيون عبيد طهران، الذين يتبعونها في التعامل مع كل ما هو عربي على أنه العدو الأول -وربما الوحيد- لأحفاد أبي لؤلؤة المجوسي!!
وهم يعلمون علم اليقين أن لقوات درع الجزيرة رمزية تَفُوقُ معناها العسكري المباشر، ألا وهي احتشاد ملايين العرب والمسلمين في خندق التصدي لعدوانهم، ولا سيما أن القلوب مليئة بالغضب من طعنهم في كتاب الله والتطاول على عرض رسوله الكريم والافتراء على أصحابه الأكارم.
ولطالما حَرِصَ أهل التقيَّة هؤلاء على حصر صراعاتهم في نطاق الحكومات، وعلى دقّ الأسافين بين الحكام والمحكومين؛ ولذلك فإنهم اليوم في حزن وكمد بسبب تلاقي إرادات الشعوب وقياداتها على موقف الذود عن الدين والأوطان في وجه التهديدات الأجنبية الحاقدة.
لكن الصورة البهية للنخوة العربية إلى جانب البحرين المعتدَى عليها، لم تَسْلَمْ من مواضع وهن، تغيظ الصديق وتسر العدو؛ فقد اختار بعض الساسة قصيري النظر أن ينكصوا عن واجبهم في ما يشبه التواطؤ الجبان مع الخطة الصفوية الرهيبة، بالرغم من الضغوط الهائلة عليهم من شعوبهم..
وفات هؤلاء الغافلين أن الخطة الخمسينية الصفوية التي شاء الله -تعالى- أن يفتضح أمرها، تتحدث صراحة عن استئصالهم من السلطة، وعن تحويل بلادهم إلى جزء من الإمبراطورية الصفوية المجوسية المنشودة!! فلو أنهم خانوا ونجوا لكان الشر أقل، فكيف إذا كانت مهانتهم لا تنجيهم نجاة وقتيَّة عابرة خاسرة؟!
أفلا يتعظون من مواعظ التاريخ وبخاصة في العصر العباسي المتأخر وفي الدولة الإسلامية بالأندلس؟
أليس معيبًا أن يعي عامة الناس خطورة المجوسية الجديدة، ويغفل عنها ساسة وقادة يُفترض أنهم أعمق دراية وأكثر اطلاعًا؟!