الأقليات.. المفهوم والمطالب

منذ عقدين من الزمن أو يزيد بدأ الحديث يكثر عن أوضاع الأقليات وأخذ يتبلور حتى صار لفظ الأقليات مصطلحا له تعريفه الخاص به؛ وكذلك الغايات التي يسعى واضعوا هذا المصطلح لتحقيقها وترويجها في العالم من وراء ذلك.
وقد استغلت حكومات الدول القوية في العصر الحاضر (أمريكا والدول الغربية) الراغبة في إعادة السيطرة على العالم مرة أخرى ورقة الأقليات وما تثيرها من مشاكل في بعض البلدان بحجة الحفاظ على حقوق الأقليات انطلاقا من مفهوم حقوق الإنسان ذريعة للضغط على حكومات الدول المعنية والتدخل في شؤونها الداخلية لتحقيق المصالح الاستراتيجية الكبرى لتلك الدول الطامعة.
فالبشرية من لدن آدم عليه السلام إلى يومنا هذا تنوعت وتعددت في الأعراق والأجناس والألوان واللغات وفي العقائد والتصورات وكذلك في الأعمال والسلوك، وتبعا لذلك توزع الناس على هذه التصنيفات واختلف تعدادهم زمانيا ومكانيا، فعرق يكثر تعداده في مكان بينما يقل في مكان آخر في الفترة الزمنية نفسها، وعرق آخر قد يكثر في زمان بينما يقل في زمان آخر في البقعة الجغرافية نفسها، وقل مثل ذلك بالنسبة للعقائد والتصورات والأجناس واللغات، فأصبحنا نجد على الامتداد التاريخي والجغرافي كتلا بشرية قد تمحورت حول عدة قواسم مشتركة فيما بينها وتتميز بها في الوقت نفسه عن مجموعات أخر، وقد جرى الاصطلاح المعاصر أن يطلق على إحدى تلك الكتل لفظ “الأقلية” انطلاقا من عدة محددات.
ومن الأشياء اللطيفة أن الاتجاهات المعاصرة في بيان مفهوم الأقلية وتعريفها تكاد تعود إلى المعاني اللغوية، فمفهوم الأقلية له فيها ثلاثة اتجاهات:
اتجاه ينظر إلى العدد؛ وبناء عليه ينظر إلى الأقلية على أنها الأقل عددا بالنسبة للجماعة الأخرى الأكثر عددا، وانطلاقا من ذلك تعرف الأقلية أنها: “مجموعة من السكان لهم عادة جنسية الدولة غير أنهم يعيشون بذاتيتهم ويختلفون عن غالبية المواطنين في الجنس أو اللغة أو العقيدة أو الثقافة أو التاريخ أو العادات أو كل ذلك”، ومن الممكن أن تكون هذه الجماعة صاحبة النفوذ والتأثير في المجتمع.
واتجاه ينظر إلى القوة والسيطرة والتأثير وبناء عليه ينظر إلى الأقلية على أنها الجماعة الأضعف التي لا سيطرة لها في المجتمع بالنسبة لبقية الجماعة الأقوى التي يتكون منها المجتمع، وانطلاقا من ذلك تعرَّف الأقلية أنها “مجموعة من الأشخاص في الدولة ليست لها السيطرة أو الهيمنة، تتمتع بجنسية الدولة إلا أنها تختلف من حيث الجنس أو الديانة أو اللغة عن باقي الشعب، وتصبو إلى حماية ثقافتها وتقاليدها ولغتها الخاصة”، ومن الممكن أن تكون هذه الجماعة هي الأكثر عددا في المجتمع.
واتجاه ينظر إلى المكانة والرفعة والوجاهة وبناء عليه ينظر إلى الأقلية على أنها الجماعة المستضعفة مهضومة الحقوق التي ينظر إليها نظرة دونية وانطلاقا من ذلك تعرف الأقلية أنها “مجموعة من مواطني الدولة تختلف عن بقية مواطنيها من حيث الجنس أو الدين أو اللغة أو الثقافة تقبع في ذيل السلم الاجتماعي”، ومن الممكن أن تكون هذه الجماعة هي الأكثر من حيث العدد.
وقد يظهر أن تكون النظرة إلى الأقلية من وجهة القوة والتأثير ومن وجهة المكانة متلازمة من حيث الواقع في أغلب الأحيان والأحوال للنظر إليها من ناحية العدد، إذ غالبا ما تكون الأكثرية العددية هي الأقوى صاحبة المكانة والوجاهة -إلا في القليل النادر-، وعلى ذلك فإنه يمكن تعريف “الأقلية” على أنها: مجموعة من مواطني الدولة -أية دولة- تشكل أقلية عددية بالنسبة لتعداد بقية المواطنين تتميز عنهم إما عرقيا أو قوميا أو دينيا أو ثقافيا أو لغويا أو كل ذلك، وهي في الغالب الأعم تعاني من ضعف أو نقص في القوة أو المكانة تؤثر على وضعها السياسي والاجتماعي في المجتمع”.
ومن البين أن هذا المعنى الاصطلاحي للأقليات لا وجود له إلا في ظل الوحدة السياسية التي يطلق عليها لفظ “دولة” والتي تفرض سلطانها على جميع القاطنين لإقليم هذه الدولة، وأما خارج إطار الدولة القومية فلا معنى للحديث عن الأقليات؛ فإن كل مجموعة عرقية أو لغوية أو دينية تكون وحدة مستقلة. (انظر: وضع الأقليات في الدولة الإسلامية؛ لمحمد بن شاكر الشريف).
مطالب الأقليات:
الأقليات مع شعورها بالتمايز العرقي أو الديني أو الثقافي عن بقية المجتمع ترى أن لها مطالب تجاه الأكثرية، وهذه المطالب ترتبط ارتباطا وثيقا بوضع الأقلية في هذه البلدة أو تلك، وهي ليست بالضرورة مطالب واحدة بالنسبة لجميع الأقليات في الدول المختلفة، وإن كان يغلب عليها التقارب انطلاقا من تقارب الأوضاع في الدول المختلفة، كما أن هذه المطالب هي مطالب الأقلية على وجه العموم وليست مطالب أقلية محددة (إذ إن بعضها يتعارض مع بعض بحسب وضع الأقلية في مجتمعها) فمن أهم تلك المطالب:
المحافظة على الهوية.
المساواة في الحقوق السياسية.
الاستقلال التام.
الحكم الذاتي.
إلغاء قوانين التفرقة والتمييز.
الاندماج التام في الأكثرية.
(وضع الأقليات في الدولة الإسلامية؛ محمد بن شاكر الشريف)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *