هدي النبي صلى الله عليه وسلم في التحصين والعلاج

لا شك أن هدي محمد صلى الله عليه وسلم خير الهدي، وهذا عام في كل أمر، وقد كان صلى الله عليه وسلم كما قال الله تعالى: “حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ” (التوبة: 128).
فما من خير إلا ودلّنا عليه، وما علم من شرٍ إلا وحذرنا منه. وفي هديه صلى الله عليه وسلم الوقاية والتحصن ابتداء من كافة الأدواء لدفعها قبل وقوعها.
وإذا ما وقع الداء فعلاً دل على العلاج الناجع بإذن الله: إما نصاً، أو على سبيل الدلالة، ولذا سنتكلم عن كلا الأمرين:
أولاً: التحصينات.
ثانياً: العلاج.
التحصينات:
تكون التحصينات الهامة بتوحيد الله عز وجل ومعرفته بأسمائه وصفاته وإخلاص العبادة له، وتجريد المتابعة لأمره والتوكل عليه ومحبته والإكثار من ذكره.
وهذه تحصينات على العموم والإجمال، ثم تأتي نصوص في بعض التحصينات على سبيل التفصيل من مثل:
– قراءة سورة البقرة في البيت.
– قراءة آية الكرسي، قراءة المعوذات.
– الذكر عند الجماع لتحصين الذرية.
ولكن نلفت الانتباه إلى أن هناك فرقاً كبيراً بين الذكر: الذي يخرج من القلب، والكلمات المجردة: التي تقال باللسان. فالمطلوب هو حقيقة الذكر لا مجرد الكلمات.
تحصينات ووقاية من العين خاصة: عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (العين حق. ولو كان شيء سابق القدر لسبقته العين) [1].
وللوقاية من العين ابتداءً يجب على من رأى شيئاً فأعجبه وخاف عليه العين أن يقول: ما شاء الله، وأن يبرِّك (أي يدعو لصاحبه بالبركة).
العلاج:
أولاً: علاج الصرع الذي من الجن: يقول ابن القيم رحمه الله: (علاجُ هذا النوع يكون بأمرين: أمرٍ من جهة المصروع، وأمرٍ من جهة المعالج، فالذي من جهة المصروع يكون بقوة نفسه، وصدق توجهه إلى فاطر هذه الأرواح وبارئها، والتعوّذ الصحيح الذي قد تواطأ عليه القلبُ واللسان، فإن هذا نوعُ محاربة، والمحَارب لا يتم له الانتصاف من عدوه بالسلاح إلا بأمرين:
الأول: أن يكون السلاح صحيحاً في نفسه جيداً، وأن يكون الساعد قوياً، فمتى تخلّف أحدُهما لم يُغن السلاح كثيرَ طائل. فكيف إذا عُدِمَ الأمران جميعاً؟ عند ذلك يكون القلب خراباً من التوحيد، والتوكل، والتقوى، والتوجه، ولا سلاح له.
والثاني: من جهة المعالِج، بأن يكون فيه هذان الأمران أيضاً حتى إن من المعالجين من يكتفي بقوله: (اخرُج منه). أو بقول: (بسم الله)، أو بقوله: (لا حول ولا قوة إلا بالله)، والنبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: (اخرج عدوّ الله أنا رسول الله) [2]…. إلخ [3].
ثانياً: علاج العين: إذا وقعت الإصابة بالعين فإن طريقة العلاج تختلف بين حالين:
الأولى: إذا عُرِف العائن.
والثانية: إذا لم يُعرفْ.
إذا عرف العائن:
العمدة في هذا، حديث إصابة سهل بن حنيف بالعين:
فعن محمد بن أبي أمامة بن سهل بن حنيف، أنه سمع أباه يقول: اغتسل أبي سهل بن حنيف بالخرار، فنزع جبة كانت عليه وعامرُ بن ربيعة ينظر قال: وكان سهل رجلاً أبيض حسن الجلد قال: فقال له عامر بن ربيعة: ما رأيت كاليوم ولا جلد عذراء. قال: فوعك سهل مكانه، واشتد وعكه، فأُتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فأُخبر: أن سهلاً وعك، فقال رسول الله: علامَ يقتل أحدكم أخاه ؟ ألا برّكت. إن العين حق. توضأ له. فتوضأ له عامر، فراح سهل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس به بأس [4].

إذا لم يُعرف العائن:
إذا لم يعرف العائن فإن العلاج يكون بالرقى المشروعة، والأذكار المأثورة وإخلاص التوجه إلى الله، والدعاءُ من المضطر كفيل بالإجابة “أَمَّن يُجِيبُ المُضْطَرَّ إذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ..” [النمل: 62].
يقول ابن القيم رحمه الله: “..فمن التعوذات والرقى: الإكثار من قراءة المعوذتين وفاتحة الكتاب وآية الكرسي، ومنها التعوذات النبوية نحو:
أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق.
ونحو:
أعوذ بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة ومن كل عين لامة.
ونحو: أعوذ بكلمات الله التامات التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر من شر ما خلق وذرأ وبرأ… وحسبي الله ونعم الوكيل عليه توكلت وهو رب العرش العظيم.
ومن جرب هذه الدعوات والعوذ عرف مقدار منفعتها، وشدة الحاجة إليها، وهي تمنع وصول أثر العائن وتدفعه بعد وصوله بحسب قوة إيمان قائلها وقوة نفسه واستعداده، وقوة توكله وثبات قلبه، فإنها سلاح. والسلاحُ بضاربه) [5].
ثالثاً: علاج السحر: إن الوقاية خير من العلاج فيجب الوقاية ابتداء من السحر قبل وقوعه، وذلك بتجريد التوحيد لله والثقة بقضائه وقدره، والتحصن بكثرة ذكره وقراءة المعوذات وغيرها.
ويضاف إلى ذلك العمل بما في الحديث الذي ورد في السحر خاصة، فعن سعد رضي الله عنه قال: قال رسول الله: “من اصطبح كل يوم تمرات عجوة لم يضره سم ولا سحر ذلك اليوم إلى الليل”.
وفي رواية: “من تصبّح سبع تمرات عجوة لم يضره ذلك اليوم سم ولا سحر” [6].
هذا الحديث الشريف لا يوجد ما يخرجه عن عمومه بيقين، ولكنه لن ينتفع به إلا من يصدِّق بالنبي صلى الله عليه وسلم، ويثق أن ما يقوله حق لا مرية فيه، علم الناس حقيقته أو لم يعلموا أما أهل المراء والجدال فهم محجوبون ومحرومون ولا ينبغي الاشتغال بهم ولا بوساوسهم.
أما علاج السحر بعد أن يقع فيكون بالتسليم والرضا بالقضاء والصبر على ذلك ومحاسبة النفس على تقصيرها، وتحرّي الوسيلة المشروعة للعلاج، والتوبة من المعاصي والابتعاد عن التفكير في الذهاب إلى السحرة والدجالين، وتحرّي الذهاب إلى من لا يُتهم في دينه من أهل العلم والصلاح، أو طلبة العلم المعروفين بالطلب والاستقامة.
يقول ابن القيم رحمه الله عن مرض السحر: “ذكر هديه صلى الله عليه وسلم في علاج هذا المرض.
وقد روي عنه فيه نوعان:
أحدهما وهو أبلغهما: استخراجه وإبطاله كما صح عنه-صلى الله عليه وسلم- أنه سأل ربه سبحانه في ذلك، فدُلّ عليه فاستخرجه من بئر. فكان في مشط ومشاطة وجُفِّ طلعةِ ذَكَر، فلما استخرجه ذهب ما به حتى كأنما نشط من عقال، فهذا من أبلغ ما يُعالَج به المطبوب أي المسحور وهذا بمنزلة إزالة المادة الخبيثة وقلعها من الجسد بالاستفراغ.
والنوع الثاني: الاستفراغ في المحل الذي يصل إليه أذى السحر) اهـ. [7].

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) مسلم في السلام، (2188).
(2) أحمد (4/170، 171، 172) من حديث يعلى بن مرة، والدارمي (1 /15) عن جابر ورجاله ثقات.
(3) الطب النبوي، ص 68 -71.
(4) موطأ مالك (2/938، 939) وابن ماجة (2509)، وأحمد (3/ 486).
(5) الطب النبوي، ص 168 -170.
(6) البخاري (5768)، 5769)، ومسلم (2047).
(7) الطب النبوي، ص 126 -127.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *