د. الودغيري*: تعريب التعليم لم يفشل والعربية “لغة العلوم” ويجب إقحامها في كل المجالات العلمية والتقنية والاقتصادية والتجارية والإدارية إبراهيم بَيدون

ما يريدونه حقا هو انتظار الوقت الكافي لإنهاء آخر الأشواط في فرنسة المجتمع عن آخره، الحجر منه قبل البشر، ولاسيما بعد أن تقرر اليوم فرض اللغة الأجنبية على الأطفال في سن مبكرة جدا حسب ما جاء به القانون الجديد. فبعد جيل كامل من الآن، أي بعد ثلاثين عاما (وهو الزمن المطلوب الذي يستغرقه تطبيق القانون الإطار)، سيكون من الصعب أن يتحدث الناس عن تعريب العلوم أو التراجع عن هذه الانتكاسة الخطيرة، أو حتى مناقشة الموضوع.

1- هل فشل مشروع “تعريب التعليم” في المغرب؟

 

التعريب لم يفشل كما يروج المغالطون. كان ناجحا في الابتدائي والثانوي، ثم أوقف عمدا كي لا يواصل نجاحه، وكي تكون هناك (قطيعة) مع المرحلة الجامعية يرفضها الناس. وحتى هذه القطيعة مبالغ فيها بشكل كبير.

الدليل هو هذا العدد الكبير من المهندسين والأطباء وغيرهم من الأطر العليا التي تنجح وتتخرج في كل التخصصات، وأعداد أخرى تحصل شواهدها بالمغرب ثم تهاجر لتشتغل في أوروبا وغيرها كل سنة باعتراف وزير التعليم نفسه. (600 مهندس كل عام).

والدليل أيضا أن عددا آخر من حاملي البكالوريا المغربية المعربة يجدون مكانهم بسهولة في جامعات الدول الأجنبية كأوروبا الشرقية وألمانيا وغيرها. يدرسون وينجحون ويعودون بشواهد عليا. مع اكتساب لغة أجنبية جديدة.

والدليل مرة أخرى هو المعدلات المرتفعة التي يحصل على التلاميذ في المواد العلمية بالبكالوريا، والمعدلات المرتفعة للقبول في المدارس العليا وكليات الطب والصيدلة..

ومع ذلك نتحدث عن فشل التعريب؟

كذبوا الكذبة ولكثرة ما رددوها صدقوها.

2- هل بالفعل العربية لم تعد لغة صالحة للعلوم كما يقول دعاة الفرنسة؟

الذين يقولون عن العربية إنها ليست لغة علوم يجهلون أو يتجاهلون أنها كانت لغة العلوم على اختلافها كالهندسة والرياضيات والطب والصيدلة والفلاحة والكيمياء والفلك.. وسواها قبل ميلاد الفرنسية والإنجليزية ولغات أوروبية أخرى كثيرة.

وهذا التراث العربي الإسلامي في العلوم قد نقلته اللاتينية خلال القرن 12م وما بعده. ومن اللاتينية انتقل الى اللغات الأوروبية الأخرى بما فيها الفرنسية. وعندما غزا نابليون مصر نهاية ق18م نقلت البعثة العلمية التي رافقته كل ما وجدته هناك من تراث علمي عربي بكل مضامينه وألفاظه.

بعد أن أخذوا علومنا وبنوا عليها نهضتهم الحديثة تنكروا لها وصاروا يقولون: العربية ليست لغة علم.

3- هل بالفعل تعريب العلوم غير ممكن؟

بعد مرور 64 سنة على الاستقلال وحوالي 40 سنة على انطلاق مشروع تدريس المواد العلمية بالعربية وتخرج 29 فوجا من حاملي البكالوريا العلمية المعربة بالمغرب الذين تابعوا دراساتهم العليا بنجاح وصار عدد منهم مسؤولين كبارا ومن رجالات الدولة وأطرها في كل الميادين، ما زال أعداء العربية يرددون الأسطوانة القديمة التي تقول: تعريب العلوم غير ممكن لأن العربية تحتاج إلى تأهيل وتطوير و…و..

لا تنتظروا من هؤلاء أن يغيروا أقوالهم وأحكامهم حتى ولو بعد ألف سنة. هم شهداء زور لن يقولوا غير هذه الشهادة التي يكررونها كلما انعقدت جلسة لمحاكمة العربية. ولن تسمعوا منهم قولا جميلا.. ببغاوات تكرر نفس الكلام مهما تغيرت الظروف والأحوال وفي كل المناسبات على مر العصور والإزمان. جيل ينقلها عن جيل..

ثم، لماذا لم يعملوا كل هذه العقود الطويلة على تهيئة العربية وتنميتها وتطويرها كما يطالبون؟ ما الذي منعهم من ذلك أن كانوا صادقين؟

هل يحتاج إصلاح اللغة -إن كانت تحتاج لذلك حقا- كل هذا الوقت؟

إن المنافقين لكاذبون؛ ما يريدونه حقا هو انتظار الوقت الكافي لإنهاء آخر الأشواط في فرنسة المجتمع عن آخره، الحجر منه قبل البشر، ولاسيما بعد أن تقرر اليوم فرض اللغة الأجنبية على الأطفال في سن مبكرة جدا حسب ما جاء به القانون الجديد. فبعد جيل كامل من الآن، أي بعد ثلاثين عاما (وهو الزمن المطلوب الذي يستغرقه تطبيق القانون الإطار)، سيكون من الصعب أن يتحدث الناس عن تعريب العلوم أو التراجع عن هذه الانتكاسة الخطيرة، أو حتى مناقشة الموضوع.

لا نمل من القول إن العربية لا يمكن تطويرها أو تنميتها، وهو ما ينص عليه الدستور، إلا بإقحامها في كل المجالات العلمية والتقنية والاقتصادية والتجارية والإدارية وغيرها. أما الانتظار إلى أن تصلح اللغة نفسها وتطور ذاتها بذاتها وهي ممنوعة من هذه المجالات كلها، فهو مجرد كلام للاستهلاك وحبوب للتهدئة والتنويم. لا غير..

اللغة تعيش بالاستعمال وتموت بالإهمال.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* عبد العلي الودغيري: أكاديمي وكاتب ولغوي وعالم لسانيات مغربي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *