جددت تفجيرات الأحد الدامي التي راح ضحيتها 45 قتيلا، و119، مصابا، في تفجير كنيستي “مارجرجس” بطنطا و”مارمرقس” بالأسكندرية، الهجوم الإعلامي على مؤسسة الأزهر وشيخها الأكبر أحمد الطيب مرة أخرى، إلى الحد الذي دفع بعض الإعلاميين لاتهام المشيخة بأنها “مفرخة” لتخريج الإرهابيين، لتتعالى المطالبات بضرورة إصلاح مناهج الأزهر.
الهجمة الإعلامية التي شنت على الأزهر ومشايخه، فسرها سياسيون بأنها امتداد للأزمة المعروفة إعلاميا بـ”الطلاق الشفوي” التي وقعت في فبراير الماضي، وذهب بعضهم إلى وصف الحملة بأنها تدل على الرغبة في السيطرة على مرافق الأزهر من قبل السلطة السياسية.
فيري الكاتب والمحلل السياسي، فهمي هويدي، أن الحملة التي اندلعت عقب تفجيري كنيستي طنطا والأسكندرية ليست جديدة، فالهجوم على الأزهر بدأ مع الحديث عن تجديد الخطاب الديني، في العام 2014.
وقال هويدي لـ”مصر العربية”، إن الأزمة تعد امتدادا ﻷزمة الطلاق الشفوي الذي طالب الرئيس عبد الفتاح السيسي بضرورة تقنينه، إلا أن الأزهر أقر بوقوع الطلاق الشفوي متى استوفى الشروط على غير رغبة الرئاسة.
وفسر هويدي عودة الهجوم مرة أخرى بأنه محاولة للسيطرة وإخضاع الأزهر بشكل كامل للسلطة السياسية، مؤكدا أن مؤسسة الأزهر ليست مستقلة بشكل كامل وليست معارضة أيضا وهو يجعل الحملة بلا منطق.
وأوضح أن الهجوم على مؤسسة الأزهر يدخل ضمن ما يسميه حالة الهرج، الذي تعيشه مصر حاليا، منوها إلى أن هناك احتمالين وراء هذه الحملة.
الأول بحسب هويدي هو أنها محاولة لتأميم الأزهر بشكل كامل لصالح السلطة، والثاني هو تحويل المؤسسة لتصير مجرد تابع للنظام تنفذ التعليمات فقط.
ذهب هويدي إلى أن مؤسسة الأزهر ليست بالقوة التي تجعل السلطة تخشى منها، منوها إلى أن أي محاولة ﻹضعافها تضر بالدولة في المقام الأول، مشيرا إلى أن هذه الخصومة تدل على ضعف السلطة السياسية.
وعقب وقوع أحداث تفجيرات الأحد الماضي، قرّر الرئيس عبدالفتاح السيسي تشكيل (مجلس أعلى لمواجهة الإرهاب والتطرف) وإعطاءه صلاحيات لضبط الموقف على كل المناحي في مصر، وذلك خلال اجتماعه بمجلس الدفاع الوطني وهو ما وصفه بعض الإعلاميين بأنه تحجيم لدور الأزهر.
ووصف الإعلامي أحمد موسي مقدم برنامج “على مسئوليتي” المذاع على فضائية “صدي البلد” القرار بأنه شهادة وفاة للأزهر قائلا إن: “الأزهر الشريف فشل في مواجهة الإرهاب، وليس في مصر خطاب ديني يواجه الإرهاب، بُحّ صوت السيد الرئيس على مدى ثلاث سنوات لتصحيح الخطاب الديني، ما حدش عمل حاجة، والرئيس زهق”.
في الاتجاه نفسه هاجم الإعلامي عمرو أديب مقدم برنامج كل يوم على فضائية “أون تي في” الأزهر عقب حادث تفجير الكنيستين، قائلا إن “الرئاسة قررت التحرك في ملف تجديد الخطاب الديني بمفردها دون انتظار الأوقاف أو الأزهر بإقرار مجلس أعلى لتجديد الخطاب الديني”.
لم يقتصر الأمر على الهجوم الإعلامي فعاود النائب محمد أبو حامد، وكيل لجنة التضامن الاجتماعي بالبرلمان، حديثه بأنه سيعجل بتقديم مشروع تعديل قانون تنظيم الأزهر رقم 103 لسنة 1961، للدكتور علي عبد العال رئيس مجلس النواب يوم الأربعاء المقبل.
وأكد أبو حامد في تصريحات صحفية أنه كان من المفترض أن يتقدم بمشروع القانون يوم الأحد الماضي إلا أن أحداث تفجير كنيستي “مارجرجس” بطنطا و”مارمرقس” بالإسكندرية حالت دون ذلك.
وأشار وكيل لجنة التضامن الإجتماعي بالبرلمان إلى أن مشروع القانون يهدف إلى وضع مجموعة من القواعد والضوابط، تحكم تشكيل هيئات الأزهر، بهدف حوكمة اختيار أعضائها وتنظيم عملها، لافتا إلى أن تلك التعديلات تشمل قواعد اختيار شيخ الأزهر عند خلو منصبه، وتنظيم العلاقة بين مشيخة الأزهر وكل من جامعة الأزهر والمعاهد الأزهرية.
وبالرجوع للكاتب فهمي هويدي فهو يري فكرة القانون الذي يطرحه أبو حامد، هي أيضا تدخل ضمن محاولات السيطرة.
وتابع هويدي “في الوقت الذي يقول فيه رئيس البرلمان أنهم سيتولون مهمة تعديل قانون الازهر، فإن المجلس لا يقوم بمهامه المطلوبة منه وبالتالي تأتي تحركاته ضمن ما يمكن تسميته بالهرج العام في مصر”.
وفي الاتجاه ذاته، استنكر الدكتور محمد بسيوني، المتحدث الإعلامي لجامعة الأزهر سابقا، وأستاذ الصحافة بجامعة الأزهر، ما أسماه الحملة الإعلامية الموجهة ضد المشيخة.
وقال في منشور على حسابه بـ”فيس بوك”: “تابعت عن قرب الحملة الإعلامية الموجهة للتطاول على الأزهر قبلة المسلمين الفكرية في العالم أجمع، ومن العجب أن من يصوبون سهام نقدهم للأزهر يتهمونه بالمسئولية عن الإرهاب وكأن هؤلاء لا صلة لهم بالواقع وإجادة قراءته”.
وتابع: “من المعروف أن الإرهاب ظاهرة مجتمعية تقف خلفها أسباب اجتماعية وسياسية واقتصادية وثقافية”.
وتسائل بسيوني: “هل الأزهر مسؤول عن البيئة الحاضنة للإرهاب، أما تجديد الخطاب الديني، أو إن صح التعبير تجديد الفكر الديني لأن تجديد الخطاب نتاج طبيعي لتجديد الفكر فهذا التجديد للخطاب الديني لا يمكن أن يتم بمعزل عن حركة تجديد المجتمع بشكل عام”.
لكن يختلف الدكتور عبدالمنعم سعيد، رئيس مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية سابقا، مع سابقيه في وجود أزمة بين الأزهر والرئاسة.
حيث أعرب أن العلاقة بين مؤسستي الأزهر والرئاسة، جيدة، والأمر لم يتخطى اختلاف في وجهات النظر، كان آخرها “الطلاق الشفوي”.
وأضاف أن الأزهر عليه أن ينظر للأمور بشكل أوسع ويحاول مواجهة الأفكار المتطرفة بطرق علمية جديدة، سواء في ملف تجديد الخطاب الديني أو الطلاق الشفوي، مشيرا إلى أن الأزهر يُصر على موقفه دون أن يضع في حُسبانه قاعدة “أنتم أعلم بشئون دنياكم” ومُستجدات العصر، مُطالباً المشيخة بالنظر للأمور بشكل أوسع.
وفي الاتجاه نفسه نفى الدكتور طارق فهمي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، أن تكون هناك أزمة وقال: “أن بعض المحيطين بالجانبين يحاولون إشعال الفتنة بين المؤسستين”، أضاف بأن “مهاجمي الأزهر لا يعدون كونهم أنصاف أقلام، وهم بفعلتهم يسيئون لمصر كلها قبل الأزهر”.