هيكلة الحق الديني في المغرب السياق والإنجازات نبيل غزال

عقب أحداث 16 ماي الأليمة التي شهدتها مدينة الدار البيضاء، تحركت الدولة المغربية بكل أجهزتها لإعادة ترتيب أوراقها، فعملت في المجال الديني على وضع خطة محكمة واضحة المعالم محددة الأهداف، وفي هذا الإطار تمت إعادة هيكلة كل من وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية عبر إحداث مديرية المساجد ومديرية للتعليم العتيق، والمجلس العلمي الأعلى وإحداث الهيئة العلمية المكلفة بالإفتاء، والمجلس العلمي المغربي بأوروبا، كما تم إلغاء رابطة علماء المغرب لتحل محلها الرابطة المحمدية لعلماء المغرب.
هذا وقد خضعت مؤسسة دار الحديث الحسنية هي الأخرى لإعادة تنظيم، لتُصبحَ معهد دار الحديث الحسنية، وتم أيضا إنشاء مركز تكوين الأئمة والمرشدين والمرشدات، وعلى المستوى الإعلامي تم إطلاق إذاعة محمد السادس للقرآن الكريم ثم قناة محمد السادس للقرآن الكريم.
إلى غير ذلك من المشاريع الكبرى التي نَزلت الوزارة الوصية على الشأن الديني بكل ثقلها لضمان نجاحها وإرسائها مؤسساتها.
فهذه المجهودات الجبارة تنم عن رغبة حقيقية للوزارة في تأطير الحقل الديني والقطيعة مع ما كان يعرفه هذا المجال بالأمس القريب.
وفي هذا الإطار سهر السيد وزير الأوقاف أحمد التوفيق على تنزيل خارطة طريق رسمت بعناية فائقة في مجالس مغلقة داخل مكاتب الوزارة وخارجها، وأبرز معالم الخارطة الجديدة فصل الديني عن السياسي، ومنع العالم والفقيه والواعظ من نقد الواقع وتحليله؛ وتنزيل النصوص الشرعية على المستجدات العصرية؛ ومن التطرق لما يعيشه الناس من تناقض صارخ بين ما تنصُّ عليه الشريعة الإسلامية من عقائد وأحكام وأخلاق وسلوك؛ وبين ما هو موجود على أرض الواقع؛ حيث بات من المتعين على المباشرين للخطابة والوعظ والإرشاد أن ينأوا بخطابهم عن “الشعبوية”.
وهو ما عبر عنه الوزير أحمد التوفيق صراحة في الدرس الحسني الذي ألقاه سنة 1425هـ بين يدي أمير المؤمنين، حيث قال وهو يعد الضوابط التي يجب أن يقف عندها الخطيب أو المرشد: «حِرص المرشد أو الخطيب على تجنب ما يسمى في لغة العصر بالشعبوية؛ أي الخطاب الذي يسعى به صاحبه إلى اكتساب النجومية واستمالة النفوس؛ ولا سيما إذا توسل بتضخيم مساوئ الوقت؛ ونعت المجتمع تعميما بالخروج عن الجادة واتهام أولي الأمر بالمسؤولية عن تدهور السلوكات والتلويح بتوقع عقاب من السماء».
فوفق منظور السيد الوزير يجب على الخطيب أو الواعظ أن يتبنى «خطاب التقريب والتيسير بدل خطاب التخويف والوعيد والتنفير.. ويَحذَرَ المرشدُ والخطيب في إظهار سلطته الناقمة ضد أنواع الفرح والمتعة الفنية المباحة والابتكار الإنساني الخلاق..» (الدرس الحسني لسنة 1429هـ).
هكذا أراد واضعوا السياسة الدينية في وزارة التوفيق من الخطباء أن يكونوا؛ وفي هذا القالب بالذات يجب أن يصاغوا؛ فمن قـَبلُ عـزل الوزيرُ الدكتور رضوان بنشقرون الذي كان يتقلد منصب (رئيس المجلس العلمي) لعين الشق بالدار البيضاء؛ بعد أن تطرق في خطبته لموضوع العري في الشواطئ؛ وانتقد بعد ذلك مهرجان موازين واستضافة ملك اللواطيين في المهرجان المذكور؛ وعزل كذلك الأستاذ مصطفى القصير في الدار البيضاء، والدكتور رشيد نافع في الرباط، وعبد الله نهاري في وجدة، وفؤاد الدكدكي بتطوان، ويحيى المدغري بسلا، ومحمد الخمليشي ومحمد أبياط بفاس.. وغيرهم كثير كثير لمخالفتهم دليل الإمام وتوظيفهم لما أسماه الوزير ب(الخطاب الشعبوي)!!!
فمنهج الوزارة في التعامل مع هؤلاء العلماء والخطباء واضح؛ إما الترويض والتطويع؛ وإما الفصل والإبعاد؛ على اعتبار أن المخطط الوزاري للسيد أحمد التوفيق يهدف إلى رسم «خريطة لمشروع ديني متساوق مع المشروع السياسي ورافد له أيضا، ..من شأنه أن يزيل من الأذهان تماما أن هناك احتمال التنافر أو الاصطدام بين هذه المقومات»؛ كما سبق وصرح التوفيق في استجواب لجريدة الاتحاد الاشتراكي.
بمعنى أن جميع الأحداث السياسية والتظاهرات الفكرية والثقافية والفنية التي يرخص لها من طرف مؤسسات الدولة؛ كمهرجان (موازين) مثلا؛ حتى وإن تعارضت هي ذاتها أو القيم التي يراد تمريرها من خلالها مع المعلوم من الدين بالضرورة؛ فلا يجوز -وفق مخطط الوزير- إظهار الغضب والنقمة إزاء أنواع الفرح والمتعة الفنية هاته!! ويجب أن يزول تماما من أذهان الناس وجود تنافر واصطدام بين هذه المقومات؛ بل لا يجب أن يسمع صوت الدين وأهله أصلا في مثل هاته المستجدات ولا غيرها من كوارث التي تحدث والتي لها صلة بالمعاصي والذنوب.
وقد أفاد مطعى رسمي للوزارة حول قرارات التوفيق، أن الوزارة تتخذ ما معدله 16 قرار توقيف في السنة يشمل الأئمة والخطباء، وفي العشر سنوات الممتدة بين 2003 و2012 تم إصدار 157 قرار توقيف في حق خطباء وأئمة لأسباب متعددة تعود بالأساس إلى عدم الالتزام بالثوابت، والخروج عن السياق الشرعي، والخوض في المواضيع السياسية وعدم التزام الحياد في الانتخابات، إضافة وفقدان الأهلية الشرعية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *