ما لا يدع مجالا للشك ويؤكد ضلوع جهات إقليمية ومحلية عدة وراء الهجمة الشرسة ضد التوجهات الإسلامية -والتي تتعانق فيها السياسات الصهيوهندية مع الرغبات الأمريكية في إيجاد منظومة إقليمية مضادة للإسلاميين بكافة تصنيفاتهم في تلك المنطقة التي تشهد تعاظم قوة الإسلاميين فيها سواء في باكستان وأفغانستان- ارتكازها على مزاعم باطلة لا تجد لها أي صدى للمصداقية في أوساط الشعب البنغالي.
حيث تتصدر حملة الإقصاء القسري للإسلام شعارات “تصفية ملف معارضي الانفصال عن باكستان”، إلا أن الواقع والتاريخ يؤكدان أن الجماعة الإسلامية لم يكن لها أي دور رسمي معترف به داخل الحكومة الباكستانية أو الجيش ولم يدع أي شخص ذلك عليها، ودعا زعيم الجماعة نفسها “غلام أعظم” إلى الانضمام إلي واحدة من “لجان السلام” التي اعترف بها منتقدوه على الرغم من الخلاف حول الغرض من هذه اللجان التي كانت من أجل الحفاظ على السلام بين الجيش والسكان المحليين البنغال.
بل إنه سجل الحوادث مع التواريخ والأسماء والوقائع التفصيلية للضحايا الذين ساعدهم، كما لا يوجد دليل واحد على أن الجماعة الإسلامية في أي وقت قد دعت أو حرضت على العنف ضد أي أحد من رعايا بنجلاديش سواء كان مسلماً أو هندوسياً أو مقاتلاً من أجل الحرية أو غير ذلك، ولعل ما يدحض دعاوى حكومة “عوامي” أن بنجلاديش كانت تحت رقابة صارمة من الجيش الباكستاني لذا لم يستطع “غلام” وحزبه “الجماعة الإسلامية” نشر تصريحات علنية معارضة لأعمال المؤسسة العسكرية، ومع ذلك فقد ناشد “أعظم” القوات العسكرية شخصياً وسعى إلى حل للصراع سياسياً وليس عسكرياً.
يذكر أنه بعد انفصال باكستان بشطريها عن الهند عام 1947م شجعت الهند العلمانية انفصال بنجلاديش عن باكستان الغربية بالتعاون مع بعض البنغاليين الذين كانوا يدعون أن باكستان الشرقية (البنغال) لم تكن تحظى بالمعاملة نفسها التي تحظى بها باكستان الغربية (الباكستان)، فقامت حرب بين شطري باكستان وكانت الهند تقف إلي جانب باكستان الشرقية (بنجلاديش) حتى تم لها الانفصال وحظيت الدولة المنفصلة بتأييد القوى التي كانت لا تريد لها أن تبقي ضمن دولة مسلمة قوية.
وبعد الانفصال وفي عام 1971م تم سجن الآلاف من المعارضين للانفصال من الإسلاميين، لكن الحكومة آنذاك برأتهم وأطلقت سراحهم بناء على اتفاقية ثلاثية تمت بين بنجلاديش وباكستان والهند وأعلن العفو عن جميع المعارضين، وكان ينبغي أن يبقى ما حدث تاريخاً لا يمس حياة الناس وحرياتهم لكن حزب “رابطة عوامي” العلماني الحاكم حالياً المؤيد للانفصال وجد الآن أن “الجماعة الإسلامية” أصبحت ذات قوة سياسية واجتماعية في البلاد فأعادوا إثارة القضية منذ أن عادوا إلى الحكم عام 2008م وطالبوا بمحاكمة قادة الجماعة بحجة ارتكابهم جرائم حرب وتأييدهم للقوات الباكستانية عام 1971م.