قدم الخطاب الملكي بمناسبة عيد العرش لسنة 2022، ثلاثة مقتضيات منهجية لمراجعة مدونة الأسرة، تجلت في المرجعية الإسلامية ومقاربة الأسرة وتحقيق الإنصاف. حيث أكد الخطاب الملكي مركزية الأسرة في المجتمع المغربي، والمنطلقات المرجعية في مقاربة قضاياها ومعالجة مشاكلها ومراجعة اختلالات وسلبيات النصوص التشريعية المؤطرة لها.
وذكر الخطاب الملكي بما سبق أن وضعه من قواعد وضوابط للمراجعة بهدف تجاوز الاختلالات والسلبيات، قائلا: “وبصفتي أمير المؤمنين، وكما قلت في خطاب تقديم المدونة أمام البرلمان، فإنني لن أحل ما حرم الله، ولن أحرم ما أحل الله، لاسيما في المسائل التي تؤطرها نصوص قرآنية قطعية”.
بهذا المقتطف، قطع الملك محمد السادس، الطريق عن النداءات المطالبة بتعديلات خارجة عن الشريعة الإسلامية، منحدرة من تيارات إيديولوجية علمانية، طالبت بها بعض الجمعيات؛ بل حتى بعض الأحزاب السياسية. إذ نادى الملك في ذات الخطاب، على ضرورة الحرص على أن يتم ذلك في إطار مقاصد الشريعة الإسلامية وخصوصيات المجتمع المغربي، مع اعتماد الاعتدال والاجتهاد المنفتح والتشاور والحوار وإشراك جميع المؤسسات والفعاليات المعنية.
هذه الخصوصية التي يمتح منها التشريع المغربي، هي التي تقف سدا منيعا أمام كل الدعاوى التي تساوي بين المغرب والغرب، كأننا تاريخ واحد وحضارة واحدة، ويقدمون العلاقة بين الحاضرتين كأنها علاقة التلميذ بالأستاذ. في حين يجب أن يبقى الناظم في العلاقة، هو مصلحة الشعوب لا الصراع بينها واستعباد البعض للآخر.
وعلى هذا المنوال لا يمكن أن نردد نفس الشعارات والخطابات الحقوقية التي بموجبها يقرّ التشريع الأوروبي أو الأمريكي حقوقا للشواذ أو للمنحرفين، ونطالب الدولة المغربية في تعديل مدونة الأسرة بدمج هذه الحقوق باسم كونية حقوق الإنسان المفترى باسمها على الشعوب. ودليلنا في كل هذا هو أن الشعب المغربي لن يرهن مستقبله ويقتدي بمن ضل الطريق وكشف نموذجه عدة ثغرات أخلاقية وصلت بالبعض حد تقديس الموت وتقليد الحيوانات وتكريم الشواذ والاهتمام بالمنحرفين وإقصاء كل من يدافع عن الفطرة السليمة للبشرية.
فالخطاب الملكي لم يكن يضع حدودا لهذا النقاش بغاية تقييد من يريد طرح البدائل وتذليل المصاعب، بل كان المقصود هو عدم السقوط فيما وصلت إليه دول وتجارب أخرى حاربت باسم حقوق المرأة والطفل مقومات وجودهما، أي الأسرة المستقرة التي يحميها القانون والدولة.
وفي هذا المقام أستحضر المرافعة القيمة للدكتور وفضيلة الشيخ مصطفى بنحمزة، في ندوة علمية له بمدينة أكادير، إذ أكد أن إصلاح المدونة ليس هو التدمير أو النسف أو الإلغاء، ومن كان له هذا الهدف يجب أن يبحث عن مدونة أخرى، أما هذه فليست قابلة أن يلغى منها النص الشرعي والملك محمد السادس الذي أذن بتعديل مدونة الأسرة قال إني لا أحل حراما ولا أحرم حلالا. منبها من طرح كلام ليس له أصل شرعي، لأننا نخاطب أناسا مسلمين يعتزون بدينهم، ومن المستحيل تحقق اشتغال بعض الجهات في إزالة الإسلام، فالإسلام ليس طارئا بل هو قضية عالمية.