دفاتر التحملات.. وفورة (سميرة سطيل)

أثار موضوع دفاتر التحملات المؤطرة للقطب العمومي كثيرا من المداد واللعاب؛ فالكم الهائل من التصريحات والخرجات الإعلامية؛ والعدد الضخم من المقالات والتحليلات والتهديدات؛ توحي بكل جلاء بحرارة هذا الملف وشراسة المعركة التي نعيش جميعا أحداثها وتفاصيلها يوما بيوم!!
فبالإضافة إلى التصريحات النارية لـ(مْسَامْر المِيدَة) المسيطرين على القطب العمومي؛ الذين أبدوا رفضهم التام لهذه الدفاتر؛ خرجت أحزاب سياسية وجمعيات حقوقية ومنابر إعلامية -كلها تتبنى المرجعية العلمانية/اللائكية- لتندد وتشكك في الأهداف المتوخاة من وراء هذه الدفاتر؛ بل بلغ الحد ببعضهم إلى درجة تهديد الحكومة التي أسموها “حكومة العبث المقنع” التي تتبنى “نهجا سياسيا مبشرا بالنيوفاشية المنبعثة من فتاوى المشرق الإخواني” الذي “دشنه التوجه الإعلامي الخلفي ذو القيمة الفارغة والغاية الذميمة”..!!
ولئن كانت الأمور التي يجب الوقوف عندها فيما يثار في هذا النقاش كثيرة ومتعددة؛ فما أحببت الإشارة إليه -على عجالة- هو الخروج الإعلامي لسميرة سطيل؛ التي تقاسمت بشكل “كلي وكامل وتام النقاط التي طرحها سليم الشيخ بخصوص دفاتر التحملات”.
فقد اختارت مديرة قسم الأخبار بالقناة الثانية يومية “الأحداث” منبرا إعلاميا لتوجه من خلاله سهام نقدها إلى دفاتر التحملات التي اعتبرتها “قتلا مبرمجا لقناة دوزيم”!!
فالخط التحريري المشترك والمرجعية العلمانية التي توحد بين القناة الثانية و”الأحداث”؛ شكلا أهم أسباب اختيار سطيل لهذا المنبر. ومن الطريف جدا أن يجري الحوار معها الصحفي؛ النزق كتابة ومنطقا بيومية “الأحداث” المدعو: “المختار لغزيوي”؛ والحقيقة أني لأول مرة أعلم أن لغزيوي يجري الحوارات في هذا المنبر!! لكن -من يدري- ربما العلاقات القوية التي تجمع بين البريني وسطيل كانت تستزلم أن يجري الحوار معها كاتب آخر عمود من صفحات “الأحداث”!!
فقد دقت سطيل في هذا الاستجواب ناقوس الخطر الذي دقه من قبلها سليم الشيخ وأصرت على تبني كل ما قاله، لأن اختيارها وفق وجهة نظرها “مبني على انشغال مهني”، ذلك أن ما يشغل بالها “هو مبدأ استقلالية وسائل الإعلام عن السلطة التنفيذية وعن السياسة”.
فهل القناة الثانية مستقلة فعلا عن السلطة التنفيذية والسياسة؟
فجميعنا نتذكر مواقف وتصريحات العلمانيين والأحزاب والجمعيات التابعة لهم إبان الحادث الإرهابي الذي شهدته مدينة الدار البيضاء سنة 2003؛ فحينها عملت القناة الثانية على استغلال الفرصة التي هيئت لها جيدا؛ وتمرير أكبر قدر من الأفكار والقناعات التي تخدم طرحها، وتم استدعاء جحافل من العلمانيين واليساريين واللبراليين الذين يمقتون الحركات الإسلامية برمتها؛ ويتمنون أن يعيشوا إلى يوم يستيقظون فيه ولا يجدون أثرا لملتح أو محجبة أو منقبة على أرض هذا الوطن، ومن ضمن من كان يتردد كثيرا على القناة في أخبار الظهيرة وبرنامج مباشرة معكم وغيرها من البرامج التي كانت تبث وقت الذروة؛ مدير يومية الأحداث “محمد البريني”، فعلاقة منبر “الأحداث” بالقناة الثانية علاقة قوية تمتنها المرجعية العلمانية/اللائكية والعدو المشترك: “الإسلاميون”!!
فحين وقع الحادث المأساوي بالدار البيضاء خرجت سميرة سطيل مديرة قسم الأخبار ونائبة مدير القناة الثانية في برنامج “تو لو موند أو بارل”؛ رفقة الفنان جمال الدبوز على بلاتو الصحفي الفرنسي!! “تيري أردسون” وهاجمت حزب العدالة والتنمية بشراسة وعصبية وجرأة ملفتة للانتباه؛ و”جَدَبَت” “جَدَبَة” ذكرتنا بـ”جدبتها” قبل أكثر من سنتين في مهرجان “كناوة” في الصويرة؛ حين أطلقت العنان لماردها و”جدبت” على إيقاع موسيقى “كناوة” بهستيريا أثارت انتباه الحاضرين.
ويبدو أن سلوك “الجدبة” ينتاب رئيسة قسم الأخبار كلما ذكر الإسلام والإسلاميون؛ أو حتى شمت رائحتهم ولو من بعيد، حيث جدبت “سطيل” وقتئذ على حزب العدالة والتنمية واعتبرته قطارا وصل متأخرا؛ وحزبا لا يملك مشروعا مجتمعيا ولا مطالب ولا رسائل!! ويلعب فقط على وتر الإسلام والعروبة والهوية!! ويحاول أن يستفيد من ذلك.
وها هي عجلة الزمان قد دارت؛ ولم تمر إلا ثمان سنوات حتى صوت المغاربة لهذا الحزب ذي المرجعية الإسلامية؛ ورفع من كان في قفص الاتهام بالأمس إلى سدة الحكم اليوم؛ وأصبح مسؤولا على القطاع الذي تشتغل فيه “سطيل” وزيرا من هذا الحزب الذي “يلعب فقط على وتر الإسلام والعروبة والهوية”!!
ليتبين لنا بذلك قطار من الذي وصل متأخرا!! ومن لا يملك مشروعا مجتمعيا يتوافق ومرجعية المغاربة ويقنعهم بالتصويت لصالحه!!
وليتضح لنا أن الأمر لا يعدو أن يكون تحاملا على طرف مخالف؛ وتحليا بثقافة الحقد والكراهية التي تتشبع بها فئة من المفسدين كان أملها كبيرا أن تجهز على كل غيور؛ وتمسخ كل مشرف؛ وتدنس كل مقدس.
ثم إن اعتلاء امرأة من هذا النوع وبهذه المرجعية؛ بلغت بها درجة التغريب ألا تكتفي أمام عدسات الكاميرا بإلقاء التحية على الأجانب (بالبنجرة) على الطريقة الفرنسية التي تحب التعامل بها؛ ولا بمصافحة الرجال الأجانب عنها؛ بل بإلقاء القبل الحارة على مرأى من العالم أجمع!
فاعتلاء شخص بهذا الفكر وبهذه المرجعية وبهذا السلوك منصبا رفيعا في قناة وطنية؛ تمرر من خلاله قناعات أقلية علمانية نافذة، يكشف لنا مدى التسلط العلماني على مراكز حساسة في التأثير على الرأي العام؛ والتناقض الصارخ بين مرجعية وإرادة الشعب من جهة؛ وبين توجهات النخبة التي تتولى التعيين في مراكز القرار من جهة أخرى.
(ن.غ)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *