مغالطات بنشمسي .. حمّاد القباج

لقد أضحى من المكشوف البين أن بنشمسي -وأضرابه من الصحافيين والحقوقيين!- لا يدعون إلى حرية يمكن أن تكون موضع نقاش فقهي قانوني مسؤول، يتوخى المصلحة الشرعية وتحقيق مكاسب في طريق عيش رغيد كريم، يوفر الحقوق للمواطنين على قدم العدل، ويحقق التوازن المرضي بينها وبين الواجبات..

وإنما يدعون إلى نوع متطرف من الحرية يراد منه بالأساس: محاصرة سلطة الدين في المجتمع ونسخ شرائعه بقوانين هيئة الأمم التي تتبنى “فلسفة الحرية” كما صدرتها الثورة الفرنسية المؤطرة من طرف الماسونية والصهيونية العالمية؛ حرية هي أشبه ما تكون بالنار الهائجة الثائرة التي تحرق الأخضر واليابس، وتقوض أركان نهضة الأمم.
ومما يؤكد تطفيفهم في كيل الدعوة إلى الحرية؛ أنهم لا ينافحون عن حرية المحجبات والدعاة الإسلاميين -مثلا- بقدر ما ينافحون عن حرية دعاة التنصير والشذوذ والمخدرات والعري وسائر أنواع الانحراف الفكري والسلوكي..
وفي هذا السياق؛ نشر بن شمسي في افتتاحية العدد الذي تكلموا فيه عن الحريات العامة؛ مجموعة من المغالطات لا بد من كشف أهمها:
المغالطة الأولى:
حاول أن يوهم بأن المغاربة كانوا يقرون المجاهرة بانتهاك حرمة رمضان، من خلال الاستدلال بحكاية عن (بعضهم)!
ومعلوم أن الحقائق الاجتماعية لا تثبت بقصة رجل أو شرذمة معينة، بل بواقع يتتابع عليه الناس أو دراسات موضوعية.
ومن جهة أخرى فإن أولئك الذين مثل بهم إنما هم جماعة من الخوارج الملاحدة الذين ركبوا موجة الفكر الثوري والممارسة اللامسؤولة للحرية، واللذان صارا عند البعض موضة تعبر عن الانفتاح والتقدم، وعند آخرين ملجأ يلوذون به للتنفيس من الضيق الذي يجدونه في نفوسهم من الدين ومظاهره؛ فثاروا على المجتمع بخيره وشره، ولم يكونوا نزهاء حين حاربوا الخير، ولا كانوا عقلاء في محاربة الشر، الذي اتهموا به الدولة وجعلوه ذريعة للخروج عليها وزعزعة استقرارها، متناسين أن ذلك الشر إنما هو من كيد المستعمر الذي امتص دماء الشعب واحتفظ بنسخة غير شرعية من مفاتيح قطاعاته الحيوية، يفتح بها الأبواب ويدخل للنهب والعبث متى شاء وكيف شاء..
ولسنا بحاجة إلى كبير استدلال للبرهنة على أن بنشمسي وأتباعه هم خدام أوفياء –بقصد أو بغير قصد- لذاك المستعمر الغاشم، حيث لا نجد شرا يريده ببلادنا إلا وهم موافقون عليه ساعون لتطبيقه على أرض الواقع.

المغالطة الثانية:
يبدو بنشمسي فيما يكتب وكأنه يعد تقريرا لجهات معينة تفرض وصايتها على البلاد من خلال الغيرة على حقوق الإنسان؛ ومن مغالطاته لإيهام هذه الجهات بأن المغرب يعرف تراجعا في الحريات وحقوق الإنسان لحساب الدعوة الإسلامية؛ زعمه بأن هذه الحريات تعرف تراجعا تدريجيا، وأن دعاة الحرية وحقوق الإنسان فئة قليلة مستضعفة تناضل عبر بوابة حقوق الإنسان.
وكأنه يقول: مارسوا مزيدا من الضغط السياسي والاقتصادي على المغرب لنصرة هذه الفئة الشاذة عن الإجماع الوطني.
وبغض النظر عما في هذا الموقف من خذلان واستعداء العدو على شعب يحب دينه وشرفه؛ فإن كلام هذا الكويتب يبقى مغالطة مكشوفة؛ كيف لا والمنظمات الحقوقية الدولية نفسها تصرح بأن موقف المغرب في قضية حقوق الإنسان مرضي عندها؛ وهو ما أكدته رئيسة المنظمة العالمية لحقوق الإنسان السبت الماضي في تصريح لقناة الأولى على هامش اللقاء الأخير للجمعية العامة لهيئة الأمم المتحدة.
وقبل هذا وبعده نحاكم بنشمسي إلى الواقع ونقول: لو قمنا بجرد لأنواع السلوك التي تنضبط بالتدين في مجتمعنا وتلك التي لا تنضبط به لوجدنا هذه الأخيرة أكثر.
ولو تتبعنا ما تقذفه أرحام الإعلام ومناهج التعليم والأنشطة الثقافية والفنية لوجدنا أن الذي يخالف الدين منه أكثر مما يوافقه، بل إن بعض سياسات هيكلة الحقل الديني تسعى لإرضاء العلمانية، وإنتاج خطاب ديني يتماهى مع قواعدها أكثر من سعيها للدعوة الإسلامية الحقة. (منع الخطباء والعلماء والوعاظ الرسميين من التصدي في ما تقترفه وسائل الإعلام العلمانية وما يروجه العلمانيون من أفكار الإلحاد والزندقة).
لكن بنشمسي وعصابته لا تكفيهم هذه التنازلات؛ ولذلك يناضلون لحذف ما تبقى من أحكام (محافظة) في القانون المغربي؛ كالمادة (222) من القانون الجنائي.
المغالطة الثالثة:
جعل بنشمسي –ومعه الرياضي وبوعياش وأمثالهم- دعوة أصحاب الحريات الطائشة الهدامة من الديمقراطية التي أخل بها النظام، ومن حقوق الإنسان المنتهكة! مع أن الديمقراطية هي تنفيذ إرادة الجماهير، ومعلوم أن الجماهير قالوا كلمتهم في مظاهر الزندقة التي يتباكى بن شمسي على عدم انتشارها في المجتمع؛ كالمجاهرة بالإفطار في رمضان، وممارسة الشذوذ الجنسي…إلـخ.
والعجيب أنه زعم في هذا السياق ـ وهذه مغالطة رابعة ـ أن عدد مجلته عن (النكت) الذي تمت مصادرته قانونيا وإحراقه في تظاهرات شعبية، كان اتهامه بالإساءة إلى الإسلام مجرد دعوى يُتعجب منها، مع أنه كان محشوا بسب الله سبحانه ورسوله صلى الله عليه وسلم، ولم يترك مقدسا إسلاميا إلا سخر منه!
فهل نقبل بانتهاك مقدساتنا ودوس قيمنا بالأقدام ليصح وصفنا بالديمقراطيين وأصحاب حقوق الإنسان؟!!
المغالطة الخامسة:
كرر بنشمسي ما يتردد من ضرورة الاقتصار على الإسلام المغربي دون المشرقي!
وهذه دعوة مغرضة غير موضوعية؛ فإن الإسلام واحد في عقيدته وأصوله ومصادره وقواعده العامة، واختلاف المذاهب الفقهية لا يعني أن كل مذهب يمثل دينا خاصا، ومعلوم أن الإسلام جاء من المشرق والمذهب المالكي جاء من المشرق والعادات المغربية المشروعة إنما أضفى عليها المشروعية الإسلام الذي جاء من المشرق، فالدعوة إلى شيء اسمه إسلام مغربي دعوة غريبة مريبة، وقد ظهر أن بعض من يدعو بهذه الدعوة إنما يهدف إلى جعلها مرحلة في طريق الانسلاخ من الدين بالكلية؛ وهو ما صرح به بنشمسي في قوله: (.. لإنشاء منظومة اجتماعية مبنية على أسس جديدة تراعي الأصالة الدينية والثقافية (ديالنا ماشي ديال المشرق العربي) وتكسر في نفس الوقت ما يجب تكسيره من القيود النفسية للوصول أخيرا إلى الحداثة).
المغالطة السادسة:
بنشمسي يقتل الميت ويمشي في جنازته؛ فهو يؤجج نار التوتر ويقود حملة لإيقاظ الفتنة والخروج عن ثوابت البلاد وعوامل استقرارها، ويحرض عليها من يتطاول على سيادتها، ثم يقول: (وستقع لا قدر الله اصطدامات أخرى، …الله يحفظ هاد البلاد واللي فيها)!
ولا أدري كم جمع هذا الدعاء من شروط وآداب الاستجابة، إلا أنه صادر عمن تيقنا أنه مسعر فتنة وداعية عمالة مكشوفة؟!!
والغلط الأكبر الذي وقع فيه هذا المسكين وأمثاله أنهم نسوا الله اتباعا للهوى والشهوة واغترارا بتزيين شياطين الجن والإنس، فأنساهم أنفسهم بأن صاروا يدعون إلى معاداة دينهم، وزعزعة استقرار وطنهم وأمنه، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا ..
{وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ، أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ، وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آَمِنُوا كَمَا آَمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آَمَنَ السُّفَهَاءُ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَكِنْ لَا يَعْلَمُونَ، وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آَمَنُوا قَالُوا آَمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ، اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ، أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ}..
تنبيه:
لا أدري هل يكون بنشمسي -حال الكتابة- سالم العقل من أثر مخدر؟! لأنه وقع في أكبر مثال قرأته للتناقض؛ حيث قال بالحرف: (لأن 6 شبان مغاربة أعلنوا عن نيتهم إفطار رمضان علنيا (وغير حسي مسي)!
فكيف نجمع بين كونهم أعلنوا وأنهم أرادوا فعل ذلك حسي مسي؟!!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *