الحصار على قطاع غزة المرابط، والمستمر منذ سنوات، اتخذ وجهة جديدة أشد شراسة، فللمرة الأولى تكتمل دائرة الحصار الفعلي والسياسي والاقتصادي والعسكري حتى أصبح حصاراً مطبقاً وشاملاً!!
العدوان اليهودي الحالي على غزة لم يفاجئ سوى الراقدين في كهوف ما قبل التاريخ.. إنه -باختصار وبلا مواربة- الوجه الآخر للعدوان الأممي على الشعب السوري لإجهاض ثورته الشجاعة بكل المقاييس..
فالحصار المستمر منذ سنوات للقطاع المرابط، اتخذ وجهة جديدة أشد شراسة، فللمرة الأولى تكتمل دائرة الحصار الفعلي والسياسي والاقتصادي والعسكري حتى أصبح حصاراً مطبقاً وشاملاً!!
كان التحول الاستراتيجي المفزع وغير المسبوق قد وقع في مصر، عندما جرى زج حركة حماس في حمأة الانقسام الاجتماعي العمودي في المجتمع المصري، من دون أن يكون لها يدٌ في ذلك.
تمت شيطنة حماس من خلال إعلام فاجر مرد على الكذب، تمهيداً لإنهاء الأنفاق التي لم يجرؤ المخلوع مبارك على اقتلاعها.
واشتد الخناق على معبر رفح إلى درجة استفزت منظمات حقوقية غربية وأممية لا تكنّ أي ود لحماس ولا لأي فصيل إسلامي سياسياً كان أم مقاوماً عسكرياً.
الخطوة الأشد فداحة وإجراماً تمثلت في تبديل العدو الاستراتيجي للشقيقة الكبرى، ولذلك اجترأ المجرمون على الشماتة بالعدوان الصهيوني على غزة، والدعاء للإرهابي نتنياهو بالنصر!!!
الطوق الآخر كان في اضطرار حماس للقبول بمصالحة سلطة أوسلو -حارسة العدو فعلاً بموجب الاتفاقات المهزلة وليس اتهاماً جزافياً-.
فالحركة أضحت عزلاء مكشوفة بعد أن اختارت الانحياز إلى الشعب السوري في ثورته ضد طاغيته بشار، فخسرت تلقائياً ما كانت تحصل عليه من دعم صفوي مدروس ومقنن.. فعلتْ حماس ذلك وهي تدرك مسبقاً الثمن الباهظ الذي سوف تدفعه، وربما لم يصل الخيال بها إلى أن تتوقع إصرار من يفترض أنهم خصوم السرطان المجوسي الجديد، على مقتها والسعي إلى ذبحها حتى لو كان الثمن هو نحر أهل غزة جميعاً.. تبين أنه ليس بالضرورة أن عدو عدوي صديقي!!
في ضوء تلك المعطيات المؤلمة، جاءت الفرصة الذهبية لعباس -رئيس سلطة حماية الاحتلال-، بالرغم من «الاعتراض» الشكلي واللفظي على المصالحة بين فتح وحماس، من قِبَل الأمريكيين قليلاً والصهاينة كثيراً.
ولم تمضِ إلا أيام قليلة على المصالحة وتأليف «حكومة وحدة وطنية محايدة!!»، حتى جهر عباس بمكنوناته المعهودة، عقب الاختطاف الغامض لثلاثة مجرمين صهاينة، إذ رفع عقيرته بالاستنكار لخطفهم، ودعا إلى إطلاق سراحهم بلا شروط، وأعلن بصفاقة أن التنسيق بين أجهزته القمعية وأجهزة البطش الصهيونية يصب في مصلحة الشعب الفلسطيني!!
وبذلك حصل على مكافأة سريعة ورخيصة كالمعتاد، ممن يسمى «رئيس الدولة» الجديد في الكيان الغاصب: «رؤوفين ريفلين» الذي أعلن نيته الجدية لعقد لقاء مباشر مع محمود عباس، معتبراً دعوة عباس لإعادة المستوطنين المخطوفين الثلاثة بأنها فرصة لبناء الثقة بين «إسرائيل» والسلطة!!!
والمدعو «ريفلين» -لمن لا يعلم- هو أحد صقور اليمين اليهودي العقائدي وأحد دعاة «أرض إسرائيل الكاملة»!! وهو معروف بمواقفه المتشددة المعارضة لقيام دولة فلسطينية ويدعو إلى ضم الضفة الغربية إلى الكيان الصهيوني!!
إننا في الوقت الذي نبكي فيه دماً على فقدان النصير للحق الفلسطيني الواضح وضوح الشمس وتخلي الجميع عن الحد الأدنى من واجبهم، نبتهج بأداء رجال المقاومة في ذودهم عن شعبهم وأرضهم، بالرغم من الحصار المطبق والعداء المستحكم، فقد أمطروا العدو بصواريخهم -500 صاروخ حتى الآن- وتمكن أبطال القسام من اقتحام قاعدة زيكيم البحرية الحصينة في ضواحي مدينة عسقلان المحتلة.. وتم بفضل الله تسديد صاروخ على حيفا المحتلة على بعد 100 كيلومتر للمرة الأولى في تاريخ الصراع مع الصهاينة.
إن قطعيات الوحي تشهد باستحالة انتصار الباطل اليهودي على أمة التوحيد، مهما بلغ من حشد الطاقات الضخمة من سائر الأنحاء، لإلحاق هزيمة ساحقة بالشعب الفلسطيني الأبيّ الصلب. وأما عميان البصيرة من خونة العرب المطبلين للصهاينة، فيكفيهم عاراً أن فلسطين ليست لحركة حماس، ولذلك فلن تنطلي خيانتهم لفلسطين وللأمة وهي الخيانة المتدثرة بقناع الكيد لحماس على صبي في سن التمييز.