نوع العلاقة التي كانت تجمع بين علي وعائشة رضي الله عنهم

لم يوان كاتب جريدة الأيام عن الطعن في رابع الخلفاء الراشدين علي بن ابي طالب رضي الله عنه؛ وادعى “أن علاقة علي بزوجة النبي عائشة رضي الله عنها لم تكن على أحسن حال. ولذلك يفسر بعض الدارسين كيف خرجت في معركة الجمل تحارب عليا بدعوى القصاص من قتلة عثمان بن عفان؛ في الوقت الذي يرجع البعض هذه العداوة إلى حكاية الإفك التي اتهمت فيها عائشة؛ حيث أشار علي بن أبي طالب على النبي بتطليقها قبل أن يبرئها القرآن” اهـ

و”تتحدث كتب التاريخ عن أن أصل العداء بين عائشة رضي الله عنها زوج النبي وعلي بن أبي طالب ممتد إلى عهد النبي، ومن ذلك أن فاطمة زوجة علي هي بنت خديجة أول نساء النبي، والتي حزن عليها النبي كثيرا، بل إن النبي قال عن فاطمة زوجة علي إنها سيدة نساء العالمين. كما أن عليا كان يشعر بنوع من الضيق كلما اقترب أبو بكر الصديق والد عائشة من النبي أكثر، ما يعني أن عليا يجب أن يبعد، بالإضافة إلى حادثة الإفك وما دبر من علي اتجاه عائشة. لذلك كان مقتل عثمان بمثابة الفرصة الذهبية التي التقطتها عائشة للانتقام من علي والخروج لمحاربته في موقعة الجمل”!!!
وأنه “في تدبير شأن المسلمين؛ لم يحدث خليفة انشقاقا بينهم غير علي بن أبي طالب”.
وهذه الصيحات الجوفاء وتلك الأقلام المأفونة المأجورة تحاول أن تلصق قذاراتها وشيئًا مما يدور في مجتمعها العلماني، تريد أن تلصق عفنها وخلاعتها بأطهر مجتمع عرفه التاريخ منذ خلقت الخليقة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
فما ذكره هذا المفتري حول موقف عائشة أم المؤمنين من صهرها عليّ رضي الله عنهما، لا يصح منه شيء، ولا يقره عاقل، ولاسيما أن الصحيح من الأخبار يدل على عظيم التقدير والاحترام الذي كانت تكنّه لعليّ وأبنائه رضي الله عنهم أجمعين.
فقد أخرج أخرج ابن أبي شيبة، أن عبد الله بن بديل بن ورقاء الخزاعي سأل عائشة: من يبايع؟ فقالت له: إلزم عليّاً.
فهل يعقل بعد هذا أن تخرج عليه وتحاربه؟! ثمّ تعمد إلى إنكار فضله وفضائله كما زعم المغرضون؟!
فعلاقتها بعلي بن أبي طالب كانت مبنية على المودة والاحترام والتقدير المتبادل، فعليّ أعرف الناس بمقام السيدة عائشة، ومنزلتها في قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقلوب المسلمين، كما كانت هي الأخرى تعرف لعليّ سابقته في الإسلام، وفضله وجهاده، وتضحياته، ومصاهرته للنبي صلى الله عليه وسلم.
وقد روت عائشة عدداً من الأحاديث في فضائل عليّ وأهل البيت رضي الله عنهم، ذكرها أئمة الحديث بأسانيدها، وهي تدل دلالة واضحة على عظيم احترامها وتقديرها لأمير المؤمنين عليّ وأهل البيت رضي الله عنهم أجمعين.
من ذلك ما أخرجه مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: خرج النبي صلى الله عليه وسلم غداة وعليه مرطٌ مرحّل من شعر أسود، فجاء الحسن بن عليّ فأدخله، ثم جاء الحسين فدخل معه، ثم جاءت فاطمة فأدخلها، ثم جاء عليّ فأدخله، ثم قال: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا}.
ولا يصح حديث الكساء إلا من طريق عائشة رضي الله عنها فقط، فكيف يدعي من كان له أدنى ذرة عقل أو دين أن يتهمها بنصب العداء لعلي رضي الله عنه.
ولما بويع عليّ، رضي الله عنه خليفة للمسلمين، لم يتغير موقفها منه ولا حملت في قلبها عليه، وهي التي كانت تدعو إلى بيعته كما رأينا . وكانت تعرف مكانته العلمية والفقهيـة، لذلك عندما سألها شريح بن هانىء عن المسح على الخفّين، قالت له: عليك بابن أبي طالب فسله فإنه كان يسافر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ذكر الحافظ ابن حجر في فتح الباري 13/70 قول المهلب: إن أحدا لم ينقل إن عائشة ومن معها نازعوا عليّاً في الخلافة، ولا دعوا إلى أحد منهم ليولوه الخلافة.
بعد أن انتهت معركة الجمل أَدْخَلَ أميرُ المؤمنين عليٌّ أُمَّ المؤمنين عائشةَ ـ رضي الله عنها ـ في أعظم دار في البصرة، وأكرم نُزُلَهَا، وعاقب من انْتَقَصها. ولما أرادت الرحيل جهّزها بكل ما تحتاجه من مركب وزاد ومتاع، وأخرج معها كل مَنْ نجا ممن خرج معها، إلا مَنْ أحب المُقام، وأمر لها باثْنَيْ عشرَ ألفًا من المال، واختار لمرافقتها أربعين امرأة من كريمات نساء أهل البصرة المعروفات، وقال لأخيها: تَجَهَّزْ يا محمدُ، فبلِّغْها.
فلما كان اليوم الذي ترتحل فيه، جاءها حتى وقف لها، وحضر الناس، فخرجت على الناس في حجابها فودّعوها وودّعتهم، وقالت: والله ما كان بيني وبين عليّ في القديم إلا ما يكون بين المرأة وأحمائها (أي: أقارب زوجها)، وإنه عندي ـ على معتبتي ( أي مع عتابي له ) من الأخيار.
وقال علي: يا أيها الناس، صدقَتْ والله وبَرّتْ، ما كان بيني وبينها إلا ذلك، وإنها لزوجةُ نبيِّكم ـ صلى الله عليه وسلم ـ في الدنيا والآخرة.
وخرجت يوم السبت غرة رجب سنة ست وثلاثين، وشيّعها عليّ، وأخرج أبناءه معها يوما. فانصرفت إلى مكة وأقامت بها إلى الحج، ثم رجعت إلى المدينة، وكان عُمرها ـ رضي الله عنها ـ وقتئذٍ خمسًا وأربعين سنة. (تاريخ الرسل والملوك 3/66 والبداية والنهاية لابن كثير 8/354 والفتنة في عهد الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم برؤية موضوعية لعلي بن نايف الشحود).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *