الزلازل آية باهرة تدل على قدرة الله ووحدانيته

هل الزلزال غضب من الله؟ أم إنذار وتحذير؟ أم هو بلاء؟!!!
فمن قائل:هو غضب وانتقام من الله!
ومن قائل: أنه تصحيح وتوجيه وليس غضبًا!
ومن قائل: أنه آية من آيات الله تدل على قدرته ووحدانيته!
ومن قائل: أنه بلاء وابتلاء من الله!
والصحيح الذي دلت عليه الأدلة أنه:
– قد تكون الزلازل آية دالة على وحدانيته وقدرته سبحانه وتعالى!
– قد تكون الزلازل تخويفًا وعظة من الله لعباده!
– قد تكون الزلازل غضبًا وانتقامًا من الكافرين!
– وقد تكون الزلازل عذابًا في الدنيا للمسلمين ورحمة لهم في الآخرة!
– وقد تكون الزلازل ابتلاء لأهل القتل بالهدم!
– وقد تكون تذكيرًا وإشارة ليوم القيامة يوم الزلزلة الكبرى!

لقد أكثر الخالق سبحانه من ذكر الأرض في كتابه، ودعا عباده إلى النظر إليها والتفكر في خلقها، فقال سبحانه: ﴿وَالْأَرْضَ فَرَشْنَاهَا فَنِعْمَ الْمَاهِدُونَ﴾ [الذاريات:48]. ﴿اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَرَارًا﴾ [غافر:64]. ﴿الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا﴾ [البقرة:22]، ﴿أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْأِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ، وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ، وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ، وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ﴾ [الغاشية:17-20]، ﴿إِنَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآَيَاتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ﴾ [الجاثية: 3]( ).
– ثم انظر إليها لحظة اضطرابها وزلزلتها بعد أن كانت ساكنة مطمئنة لترى بنفسك الدلائل الواضحات على قدرة الخالق سبحانه وإرادته وحكمته ووحدانيته.
﴿هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ﴾ [لقمان: 11].
– ثم تأمل حكمته سبحانه من وراء ذلك وما يحدث للعباد من الخوف والخشية والاستيقاظ من الغفلة.. وما في ذلك من المنافع لهم.
فحقًا يا لها من آيات تدل على قدرة الله ووحدانيته( ).

الزلازل تخويف من الله لعباده
قال العلامة ابن بطال: “ظهور الزلازل والآيات وعيد من الله لأهل الأرض، قال تعالى: ﴿وَمَا نُرْسِلُ بِالْآَيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا﴾ [الإسراء: 59]”( ).
قال قتادة: “إن الله تعالى يخوف الناس بما شاء من الآيات لعلهم يعتبرون ويذكرون ويرجعون، ذكر لنا أن الكوفة رجفت في عهد ابن مسعود، فقال: أيها الناس إن ربكم يستعتبكم فاعتبوه”( ).
وعن أبي موسى رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال -لما كسفت الشمس-: “هذه الآيات التي يرسل الله لا تكون لموت أحد ولا لحياته، ولكن يخوف الله بها عباده….”( ).
وفي حديث أبي بكرة رضي الله عنه:”إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا ينكسفان لموت أحد، ولكن الله تعالى يخوف بهما عباده”( ).
قال الحافظ ابن حجر:”قوله يخوف: فيه رد على من يزعم من أهل الهيئة أن الكسوف أمر عادي لا يتأخر ولا يتقدم؛ إذ لو كان كما يقولون لم يكن في ذلك تخويف، ويصير بمنـزلة الجزر والمد في البحر” ا.هـ( ).
وقد ظن بعض الناس أن الحسابات العلمية والأسباب التي يتكلم فيها أهل الاختصاص تعني أنه لا حكمة من وراء ذلك، وهذا خطأ واضح واعتقاد فاسد.
قال العلامة ابن دقيق العيد: “في قوله صلى الله عليه وسلم: يخوف الله بهما عباده إشارة إلى أنه ينبغي الخوف عند وقوع التغيرات العلوية”.
وقد ذكر أصحاب الحساب لكسوف الشمس والقمر أسبابًا عادية.وربما يعتقد معتقد أن ذلك ينافى قوله عليه السلام: “يخوف الله بهما عباده” وهذا الاعتقاد فاسد؛ لأن لله تعالى أفعالًا على حسبا لأسباب العادية، وأفعالًا خارجة عن تلك الأسباب، فإن قدرته تعالى حاكمة على كل سبب ومسبب، فيقطع ما شاء من الأسباب والمسببات بعضها عن بعض.
فإذا كان ذلك كذلك فأصحاب المراقبة لله تعالى ولأفعاله، الذين عقدوا أبصار قلوبهم بوحدانيته، وعموم قدرته على خرق العادة، واقتطاع المسببات عن أسبابها إذا وقع شيء غريب حدث عندهم الخوف لقوة اعتقادهم في فعل الله تعالى ما يشاء، وذلك لا يمنع أن يكون ثمة أسباب تجري عليها العادة إلى أن يشاء الله تعالى خرقها، ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم عند اشتداد هبوب الريح يتغير ويدخل ويخرج خشية أن تكون كريح عاد، وإن كان هبوب الريح موجودًا في العادة.
وهكذا نقول في الزلازل: أن يذكره علماء الأرض من أسباب للزلازل لا ينافي كون ذلك مخوفًا لعباد الله تعالى من بأسه وسوطه وغضبه وانتقامه.
– ومما يدل على أن مثل هذه الآيات من الزلازل وغيرها إنما هي تخويف للعباد وتحذير لهم من سطوته ما جاء عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: “كانت الريح الشديدة إذا هبت عرف ذلك في وجه النبي صلى الله عليه وسلم”( ).
قال الحافظ ابن حجر:”لما كان هبوب الريح الشديدة يوجب التخوف المفضي إلى الخشوع والإنابة كانت الزلزلة ونحوها من الآيات أولى بذلك، لا سيما وقد نص في الخبر على أن أكثر الزلازل من أشراط الساعة”ا.هـ( ).
وتأمل معي -أيها القارئ الكريم- حال القلوب عند وقوع الزلازل والآيات وقد دب فيها الخوف والهلع؛ وحالها بعد انكشاف الضر، ففيه إشارة للمسلم وتنبيه له على سلوك طريق الخوف والرجاء( ).

الزلزال غضب وانتقام من الظالمين
ينبغي أن يعلم أن الذنوب التي أهلك بها الأمم على قسمين:
(أ)معاندة الرسل وجحد رسالاتهم.
(ب)الإسراف في الفجور والذنوب.
فالقسم الأول: يهلك الله تعالى أصحاب هذا القسم ويعذبهم عذاب استئصال وإبادة كما فعل بقوم نوح وعاد وثمود لوط وشعيب وأضرابهم.
قال تعالى: ﴿فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ﴾ [العنكبوت:40].
القسم الثاني: يصابون بالمجاعات والجوائح والأمراض والاختلاف والزلازل وغير ذلك وقد يكون مع ذلك موت وقد لا يكون، وعذاب هذه الأمة الإسلامية من هذا القبيل، فإن الله تعالى لا يستأصلها ولا يهلكها بالمرة كما كان يفعل مع الأجيال السابقة ولكنه يعذبهم بأنواع عديدة متنوعة من البلاء في الدنيا.
وعذاب الله تعالى وعقابه للأمم لا يختص بنوع واحد ولا لون معين بل جرت سنة الله تعالى في تنويعه على ألوان مختلفة ومتنوعة، فهو قد يكون صاعقة، أو غرقًا، أو فيضانًا، أو ريحًا، أو خسفًا، أو قحطًا ومجاعة وارتفاعًا في الأسعار، أو أمراضًا، أو ظلمًا وجورًا، أو فتنًا بين الناس واختلافًا، أو مسخًا في الصور، أو مطرًا بالحجارة أو رجفة…..
وقد قص الله تعالى علينا فيكاتبه كيف هلك قوم شعيب وصالح بالرجفة؛ فقال تعالى: ﴿وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ﴾[هود: 67].

الزلازل عذاب في الدنيا وتطهير ورحمة للمسلمين
فقد أخبرنا الصادق المصدوق الذي لا ينطق عن الهوى بأن هذه الأمة أمة مرحومة ليس عليها عذاب في الآخرة وأن الله تعالى جعل عذابها في الدنيا: الفتن والزلازل والقتل.
فعن أبي موسى رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “أمتي هذه أمة مرحومة، ليس عليها عذاب في الآخرة، وعذابها في الدنيا: الفتن والزلازل والقتل”( ).
قال العلامة القاري:”بل غالب أنهم مجزيون بأعمالهم في الدنيا بالمحن والأمراض وأنواع البلايا كما حقق في قوله تعالى:﴿مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَبِهِ﴾ [النساء: منالآية123]ا.هـ( ).

الزلــزال ابتـــلاء
قال تعالى: ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِين الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ﴾ [البقرة:154-156].
وقد دلت الأحاديث الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم أن صاحب الهدم ومن وقع عليه البناء يرجى له الشهادة.
1- فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “الشهداء خمسة: المطعون، والمبطون، والغرق، وصاحب الهدم، والشهيد في سبيل الله”( ).
قال ابن التين: “هذه كلها ميتات فيها شدة تفضل الله على أمة محمد صلى الله عليه وسلم بأن جعلها تمحيصًا لذنوبهم وزيادة في أجورهم يبلغهم بها مراتب الشهداء” اهـ.( ).
2- وعن جابر بن عتيك مرفوعًا: “الشهداء سبعة سوى القتل في سبيل الله: وذكر منهم: “والذي يموت تحت الهدم شهيد”( ).

الزلزال يذكر المؤمنين بيوم الزلزلة الكبرى
﴿ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ﴾ [النساء: 87]
﴿يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ﴾ [مريم: 39].
﴿يَوْمَ الْآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ﴾ [غافر: 18].
﴿يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [المطففين:6].
إنه يوم الزلزلة.. يوم الرجفة..
ذلك الدمار الكوني الشامل الرهيب الذي يصيب الأرض وجبالها والسماء ونجومها وشمسها وقمرها.
الأرض تزلزل وتدك، والجبال تسير وتنسف، والبحار تفجر وتسجر، والسماء تتشقق وتمور، والشمس تكور وتذهب، والقمر يخسف، والنجوم تنكدر ويذهب ضوؤها، وينفرط عقدها( ).
وإذا كانت زلازل الدنيا تدمر كثيرًا من مقومات حياتنا، وتقع في أجزاء محدودة، وتترك خلفها حصادًا من الخسائر المروعة الفادحة! فما بالنا بزلزلة الأرض كلها؟!
تلك الزلزلة التي لا جبر فيها لنقص أعمال البشر، فلا معين ولا منقذ إلا الواحد القهار.
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ، يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم ْبِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ﴾ [الحج:1-2]. إنه والله لشيء عظيم!!
﴿إِذَا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا، وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا، وَكَانَتْ هَبَاءً مُنْبَثًّا﴾ [الواقعة:4-6].
﴿يَوْمَ تَرْجُفُ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ وَكَانَتِ الْجِبَالُ كَثِيبًا مَهِيلًا﴾ [المزمل:14]، أي تتحول الجبال الصلبة القاسية إلى رمل ناعم.
إن العدة للنجاة في مثل هذا الموقف العظيم هي التقوى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ﴾ [الحج:1].هي: الوقاية والحماية من خطر هذا الهول العظيم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *