يقرر الإسلام أن المرأة خلقت لعبادة الله تعالى كالرجل قال سبحانه: “وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ”(1)، والإنسان نوع يشمل الجنسين الذكر والأنثى، وتثاب المرأة على تحقيق هذه العبادة كما يثاب الرجل قال سبحانه: “فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ “(2)، قال العلامة السعدي: “فالجميع سيلقون ثواب أعمالهم كاملا موفرا أي كلهم على حد سواء في الثواب والعقاب”.(3)
وقال الله عز وجل: “مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ”(4) وقال تعالى: “وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتَ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَـئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلاَ يُظْلَمُونَ نَقِيراً”(5)
قال الإمام ابن تيمية: “والنساء يشاركن الرجال في سبب العمل فيشاركونهم في ثوابه”.(6)
والمرأة شريكة الرجل في التكريم الإلهي للإنسان قال سبحانه: “وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً”.
فهي مساوية للرجل في الإنسانية وعلة الإيجاد و المصير والجزاء.
والإسلام إذ أناط بالمرأة مسؤولية القيام بالتكاليف الشرعية ورتب على ذلك الثواب والعقاب, فإنه جعل من تلك المسؤولية ما هو راجع إلى تحقيق مصالح الأمة, وهكذا فإن المرأة شريكة للرجل في مهمة ترقية النوع البشري وإصلاح المجتمع وتنميته.
والمرأة في الأحكام كالرجل لقوله صلى الله عليه وسلم: «إن النساء شقائق الرجال»(7).
وتختص عنه بأحكام، ويختص هو عنها بأخرى، بحكم ما بينهما من الفروق المختلفة، فالحجاب مثلا واجب على المرأة دون الرجل، وفي هذه المسألة بيان نفرده لاحقا بمقال خاص إن شاء الله عنوانه: ” المساواة في ضوء القرآن والسنة”، والجهاد واجب على الرجل دون المرأة.
وأكرم الإسلام المرأة بنتا وحثَّ على العناية بها، وفي ذلك نصوص كثيرة منها:
عن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من كان له ثلاث بنات فصبر عليهن وأطعمهن وسقاهن وكساهن من جدته كن له حجابا من النار يوم القيامة».(8)
وعن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من عال ثلاثا من بنات يكفيهن ويرحمهن ويرفق بهن فهو في الجنة».(9)
وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما من مسلم تدركه بنتان فيحسن صحبتهما إلا أدخلتاه الجنة».(10)
وعن ابن عباس أيضا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «سووا بين أولادكم ولو كنت مفضلا أحدا لفضلت النساء».(11)
واعتنى الإسلام بالمرأة زوجة وأمر بحسن معاشرتها، قال سبحانه: “وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ”(12).
قال الإمام ابن كثير: “أي طيبوا أقوالكم لهن وحسنوا أفعالكم وهيآتكم”.(13)
وعن أبى هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «استوصوا بالنساء خيرا»(14)
وعن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي».(15)
قال الإمام الشوكاني: “في ذلك تنبيه على أن أعلى الناس رتبة في الخير وأحقهم بالاتصاف به هو من كان خير الناس لأهله، فإن الأهل هم الأحقاء بالبشر وحسن الخلق والإحسان وجلب النفع ودفع الضرر، فإذا كان الرجل كذلك فهو خير الناس، وإذا كان على العكس من ذلك فهو في الجانب الآخر من الشر، وكثيرا ما يقع الناس في هذه الورطة فترى الرجل إذا لقي أهله كان أسوء الناس أخلاقا وأشجعهم نفسا وأقلهم خيرا، وإذا لقي غير الأهل من الأجانب لانت عريكته وانبسطت أخلاقه وجادت نفسه وكثر خيره، ولا شك أن من كان كذلك فهو معدوم التوفيق زائغ عن سواء الطريق نسأل الله السلامة”. نيل الأوطار (6/210).
أما المرأة حين تكون أمًّا فهي ملكة في أسرتها معظمة في مجتمعها، وكيف لا تكون كذلك من يعاملها أولادها على ضوء قول الله تعالى: (ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهنا على وهن ) لقمان الآية 14
وقوله عز وجل: “وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَاناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً” الأحقاف.
قال العلامة السعدي: “هذا من لطفه تعالى بعباده وشكره للوالدين أن وصى الأولاد وعهد إليهم أن يحسنوا إلى والديهم بالقول اللطيف والكلام اللين وبذل المال والنفقة والإحسان وغير ذلك من وجوه الإحسان” تيسير الكريم الرحمن.
وقال الله عز وجل: “وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً، وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً” الإسراء الآيتان 23 و 24.
وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم أن حق الأم في هذا البر والإحسان أكبر من حق الأب، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: «جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله من أحق الناس بحسن صحابتي؟
قال: أمك.
قال: ثم من؟
قال: أمك.
قال: ثم من؟
قال: أمك،
قال: ثم من؟
قال: أبوك» رواه البخاري 5971.
فهنيئا للمرأة المسلمة بهذه المنزلة الرفيعة التي تبوأتها في دين الله سبحانه وتعالى.
ــــــــــــ
1- الذاريات الآية 56
2- آل عمران الآية 195
3- تيسير الكريم الرحمان ص.376
4- النحل الآية 97
5- النساء الآية 124
6- مجموعة الفتاوى (6/255 )
7- يأتي تخريجه.
8- أخرجه أحمد 4/154 وابن ماجة 3669 وصحح إسناده البوصري. وانظر السلسلة الصحيحة 1/590.
9- أخرجه أحمد 3/303 وصححه الألباني في الصحيحة 5/650
10- رواه ابن ماجه 3676 وصحح إسناده المنذري، وقال الألباني: حسن لغيره. أنظر الصحيحة 2776 .
11- قال الحافظ: “أخرجه سعيد بن منصور والبهيقي من طريقه وإسناده حسن”. (فتح الباري 5/ 268)
12- النساء الآية 19
13- تفسير القرآن العظيم 1/456
14- رواه البخاري 5184 ومسلم 1468
15- رواه الترمذي 3895 وقال: حديث حسن غريب من هذا الوجه، وقال الألباني: إسناده صحيح على شرط الشيخين (انظر الصحيحة 461-462). وقد جاء في بعض روايات هذا الحديث زيادة لفظة وهي:”ما أكرم النساء الا كريم ,ولا أهانهن الا لئيم”. ولا تثبت هذه الزيادة بل هي مكذوبة على النبي صلى الله عليه وسلم: انظر شرح هذا في: سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة:845