ظل موضوع “إسرائيل الكبرى” مثارا للنقاش منذ احتلال فلسطين بسبب التصريحات المتعددة لقادة الحركة الصهيونية عن حدود الكيان الذي يريدون تأسيسه، واختلفت الآراء بسبب غياب خريطة صهيونية معلنة تكشف بشكل دقيق حدود الأطماع اليهودية، وتضليل العرب لمنعهم من وضع استراتيجية مواجهة قائمة على معلومات مؤكدة.
أخيرا رأينا خريطة مهمة عن حدود إسرائيل الكبرى مستندة إلى النبوءات التوراتية، تجيب على كل الأسئلة التي كانت غامضة، وتفك الألغاز حول ما يجري في شمال السعودية وشرق مصر، وتعيد تفسير التطورات في دول المنطقة كأراضي مستهدفة لضمها للكيان الصهيوني الكبير.
الخريطة تحدد بوضوح الحدود التي يسعى اليهود للوصول إليها في كل الاتجاهات، ولكن حدودها مع مصر والسعودية هي التي أثارت الاندهاش، فالخطوات التي تمت خلال الأعوام الخمسة الأخيرة في محيط خليج العقبة إنما هي تنفيذ حرفي لما ورد فيها.
الخريطة، وفق ما كشفه ذ. عامر عبد المنعم في مقال له بعنوان (خريطة “إسرائيل الكبرى” تفضح دور بن سلمان) نشرت في كتاب “A Zionist Primer” أصدرته منظمة (Young Judaea) في نيويورك عام 1917، به مجموعة من المقالات لرموز من الحركة الصهيونية لتثقيف الشباب اليهودي في أمريكا، وتعريفهم بتاريخهم التوراتي وأرضهم الموعودة.
ومن أخرج الخريطة للعلن شخص له دور بارز في التاريخ اليهودي الحديث، اسمه “إيتمار بن آفي”، وهو أحد رموز الحركة الصهيونية في بدايات القرن العشرين، وتخليدا لدوره يطلق اليهود في فلسطين المحتلة اسمه على شوارع وفنادق في القدس والمستوطنات الإسرائيلية.
الخريطة التوراتية
تعتمد الخريطة على النص الوارد في التوراة في سفر التكوين (15:18-21) الذي يزعم أن الله أعطى هذه الأرض لبني إسرائيل، حيث جاء فيه: في ذلك اليوم عقد الله ميثاقا مع أبرام قائلا: “سأعطي نسلك هذه الأرض من وادي العريش إلى النهر الكبير، نهر الفرات. أرض القينيين والقنزيين، والقدمونيين والحثيين والفرزيين والرفائيين والأموريين والكنعانيين والجرجاشيين واليبوسيين”.
وواضح أن قادة الحركة الصهيونية الذين تحدثوا عن ضم الأرض من النيل إلى الفرات كانت دوافعهم استراتيجية أبعد من النصوص التوراتية، ومن المرجح أنهم يتحدثون عن مراحل، ويقوي هذا الاحتمال أن الخريطة التي رسمت على العملة المعدنية الإسرائيلية (10 أغورة) التي صدرت في الثمانينيات، وعليها الشمعدان السباعي وخلفه خريطة محفورة تتفق مع الخريطة التي نتحدث عنها في هذا المقال في الجزء المتعلق بسيناء، ولكنها تحيط بثلث أرض الحرمين وثلثي العراق ونصف سوريا وكل الأردن ولبنان وفلسطين، وقد تحدث عنها الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات في مجلس الأمن عام 1990 للتحذير من الأطماع التوسعية، ولكن الصهاينة أنكروا الخريطة وزعموا أن المرسوم على العملة مستنسخ من عملة قديمة قبل الميلاد!
يظهر من خريطة “بن آفي” أن الحدود الشرقية لـ”أرض إسرائيل” تمتد إلى السماوة على نهر الفرات وتستمر مع النهر حتى دخوله سوريا قبل أن يصعد إلى تركيا، وتضم الحدود الشمالية لـ”الأرض الموعودة” كل الأراضي العراقية غرب الفرات، ومعظم الأراضي السورية من دون دمشق، وأجزاء من لبنان، وكل الأردن وفلسطين.
تصل الحدود الغربية للأرض المزعومة إلى وسط سيناء، حيث تبدأ بخط رأسي من العريش شمالا حتى خط عرض 29 جنوبا ثم تنحرف غربا في خط مستقيم إلى منطقة أبو زنيمة على خليج السويس، أي ثلثي سيناء تقريبا.
وقرر واضعو الخريطة أن تكون الحدود الجنوبية لإسرائيل الكبرى في الجزيرة العربية هي خط العرض 28، ولكن في الركن الشمالي الغربي للسعودية يميل الخط المستقيم جنوبا حتى ضبا، وهذا الضلع الصغير الذي يصل بين البحر الأحمر وخط العرض المذكور يصعد بزاوية انحراف قدرها 30 درجة، والمفاجأة أن هذا الضلع المائل هو الحد الجنوبي لمشروع “نيوم”!
إخلاء نيوم وسيناء
تشرح الخريطة ما يجري في سيناء والشمال الغربي للمملكة السعودية، وتحل كل الألغاز، ففي الركن الجنوبي الغربي من “إسرائيل الكبرى” يجري الآن التخلص من السكان وتهيئته لتسليمه للإسرائيليين فارغا، كهدية من دون حرب؛ ويلعب ولي العهد السعودي محمد بن سلمان الدور الرئيسي؛ سواء في الجانب السعودي باسم مشروع نيوم أو في سيناء بموافقة عبد الفتاح السيسي بشراء الجزر والأراضي، وتمويل ما يعرف بصفقة القرن لإخلاء المنطقة من السكان.
مشروع نيوم هو في الحقيقة مستوطنة إسرائيلية على الضفة الشرقية لخليج العقبة، لها أهمية تاريخية ودينية لدى اليهود، فهي أرض مدين التي لجأ إليها سيدنا موسى هربا من فرعون، وأقام بها اليهود بعد الخروج من مصر وفقا للرواية اليهودية، والهدف من الإعلان عن تخصيصها كمشروع سياحي واستثماري هو طرد السكان السعوديين منها وتفريغها من أهلها المقيمين بها.
الملاحظة الأهم التي تبدو من الخريطة وتفضح ما يجري أن محمد بن سلمان عندما أعلن عن المساحة المخصصة لمشروع “نيوم” جعل المحور الجنوبي متطابق تماما مع الخط المرسوم في خريطة “بن آفي”، في نفس المكان وبنفس الزاوية (30 درجة) حتى يصل إلى خط العرض 28 الذي يمتد شرقا حتى خط الطول 45 درجة تقريبا ليصعد شمالا حتى السماوة على نهر الفرات.
إن تحديد مساحة “نيوم” على النحو الوارد في الخريطة يتعارض مع التقسيم الجغرافي لإمارة تبوك، ولا يرتبط بحدود المحافظات داخل الإمارة، ويتعارض مع التضاريس والجبال وطرق المواصلات، وهذا التخطيط الجغرافي يتكامل معه قرار بن سلمان بأن تكون “نيوم” مستوطنة أجنبية لا تخضع للقانون السعودي، لها قانونها الخاص ومجلس إدارة من الأجانب ولن يدخلها السعوديون إلا كسائحين!
إذا انتقلنا إلى سيناء سنجد التنفيذ العملي لصفقة القرن يتم بشكل متسارع، ففي الشمال يتم إخلاء المنطقة من رفح وحتى العريش لنقل سكان غزة إليها لإقامة ما يسمى “غزة الكبرى”، -حسب الأوهام الصهيونية- وفي الحقيقة فإن صفقة القرن مجرد حيلة لإخلاء شرق سيناء وأيضا الحصول على موافقة العرب لاستئصال غزة حسب التخطيط الصهيوني.
وفي جنوب سيناء استولى بن سلمان –بالمال السعودي- على تيران وصنافير واشترى المساحات العامرة على الضفة الغربية لخليج العقبة وشرم الشيخ (ألف كلم2) لضمها لـ “نيوم” لإبعاد المصريين منها، ومن المعلوم أن المثلث الجنوبي أسفل خط عرض 29 خالٍ تقريبا من السكان بسبب سياسات حكومية خاطئة منذ خروج القوات الإسرائيلية بعد كامب ديفيد، حيث صدرت قرارات مشبوهة بتحويل معظم جنوب سيناء إلى محميات طبيعية، الأمر الذي ترتب عليه منع وجود أي كثافة سكانية دائمة، والاكتفاء بوجود سكاني مؤقت مرتبط بالسياحة الموسمية، وجعل مجموعة قليلة من الرهبان اليونانيين في دير سانت كاترين يسيطرون على معظم المنطقة الجنوبية.