هل النقاب تطرف في اللباس ورمز يحيل على فئة دينية متشددة؟

المفارقة الكبيرة في موضوع النقاب والتي تبعث على وضع أكثر من علامة استفهام، ما تقوم به معظم المنابر الإعلامية؛ من خلال إصرارها على تطبيع العري والفاحشة في المجتمع بكل الوسائل المتاحة، القانونية وغير القانونية، مقابل محاربة كل مظاهر الحشمة والوقار والعفة، ووسم أصحابها بما هم منه براء، غير عابئة تماما بما يسببه نشر مثل هذه الأفكار والقيم والتطبيع معها من انحرافات سلوكية وآفات اجتماعية وأضرار صحية..
وكان حق هذه المنابر -إن كانت فعلا تدعي أنها تخدم الشأن العام ومصلحة البلد وتحاول معالجة مختلف الظواهر الاجتماعية السائدة- أن تعالج الظواهر الشاذة المنتشرة داخل مجتمعنا انطلاقا من مرجعيتنا كبلد مسلم دينه الإسلام، لا أن تتبنى الطرح العلماني وتؤمن بالفكر الغربي إلى درجة اليقين، ثم تدعي بعد ذلك أنها تغار على الهوية والدين، وتخشى على البلد من كل فكر دخيل.
إن حكم النقاب أو تغطية كافة جسد المرأة حكمه معلوم من الناحية الشرعية، وأحكام لباس المرأة لا يخلو منها كتاب فقه أو حديث، ويكفي الباحث والمتحري الحق تحريك أي من محركات البحث الإلكترونية لتفتح أمامه آلاف صفحات البحث، دون أن يكلف نفسه عناء التنقل إلى أي مكتبة، ورغم سهولة المعلومة وقربها ممن يبحث عنها، تأبى المنابر الإعلامية إلا أن تغيب العامل الديني الكامن وراء ارتداء كثير من النسوة لهذا اللباس.
لقد كان “نيكولا ساركوزي” في تصريحه السابق بشأن النقاب أشد رحمة من كثير من كتاب الجرائد العلمانية في المغرب، فـ”ساركوزي” حاول أن يبعد الدين عن ساحة المعركة، واعتبر اللباس “الذي ترتديه النساء في أفغانستان مثلا ليس رمزا دينيا وإنما رمز استعباد للمرأة”، أما منابرنا الإعلامية فاعتبرته تطرفا في اللباس، ورمزا دينيا يحيل على فئة دينية متشددة، تعتبر الجسد مقدسا لا يجب كشفه إلا أمام الزوج.
إن المرأة التي اختارت ارتداء النقاب وتغطية كافة جسدها، والتشبه في لباسها بأمهات المومنين كعائشة وحفصة وأم كلثوم وغيرهن من العفيفات الطاهرات، لا تعتبر الجسد مقدسا بل تعتبره عورة لا يجوز كشفها إلا أمام من أحل الله، وذلك تمسكا بما أنزل من الوحي المقدس: {وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاء وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} النور، {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلاَبِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً} الأحزاب، أي: يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يرخين على رؤوسهن ووجوههن من أرديتهن وملاحفهن، لستر وجوههن وصدورهن ورؤوسهن، ذلك أقرب أن يميَّزن بالستر والصيانة، فلا يُتعَرَّض لهن بمكروه أو أذى.
وقول الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم لأميمة بنت رقيقة رضي الله عنها وغيرها من نساء المؤمنين في البيعة: “أبايعك على أن لا تشركي بالله شيئا، ولا تسرقي، ولا تزني، ولا تقتلي ولدك، ولا تأتي ببهتان تفترينه بين يديك ورجليك، ولا تنوحي، ولا تتبرجي تبرج الجاهلية الأولى” حسن، رواه أحمد، انظر جلباب المرأة المسلمة.
فهذا هو السبب الحقيقي الذي يدفع كثيرا من النساء إلى المسارعة إلى ارتداء النقاب، يدفعهن نداء الرحمن جل في علاه {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ}، وقوله تعالى: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلاَ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى}، فهذه الأوامر الإلهية والتوجيهات النبوية هي من تدفع المرأة إلى ارتداء النقاب لا كما يحاول أن يصوره من أشبعت قلوبهم بشبهات العلمانيين واللادينيين.
فالنقاب لا يعد إطلاقا تطرفا في اللباس، لأن التطرف هو كل ابتعاد عن المركز تجاه الطرف، بغض النظر عن اتجاه تلك الحركة، والحاكم على أي فعل أنه تطرف لا بد أن يكون وسطيًّا، والواقع يشهد أن المهاجمين للنقاب يسوقون لأنموذج غربي متطرف بعيد عن كل القيم الإنسانية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *