الشروط الواجب توفرها لتبوء منزلة الولاية -أساس الولاية الحقة السير على منهج القرآن والسنة والتمسك بهما-

لقد ادعى خلق كثير الولاية، ولم ينحصر هذا الأمر في دائرة المسلمين بل تعداه إلى اليهود والنصارى والمشركين والمنافقين، وبالرجوع إلى كتاب الله تعالى نجد أن الحق جل في علاه قد جلى لنا شروط نيل درجة الولاية وتبوء منزلتها فقال سبحانه: “أَلاَ إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ، الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ” فشرطا نيل الولاية: الإيمان والتقوى.

والإيمان قد بينه المصطفى في حديث جبريل المشهور حينما سأله عن الإيمان فقال: “أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره”.
والتقوى هي أن يجعل العبد بينه وبين عذاب الله وقاية بفعل أوامره واجتناب نواهيه، قال الطبري في تفسيره عند قوله تعالى في سورة الأنفال: “إِن أَوْلِيَآؤُهُ إِلاَّ الْمُتَّقُونَ”: “ما أولياء الله إلا المتقون، يعني: الذين يتقون الله بأداء فرائضه، واجتناب معاصيه”.
ولا سبيل لتحقيق ذلك إلا باتباع الكتاب والسنة فهو الطريق السوي والصراط المستقيم لنيل هذه الدرجة الرفيعة والمنزلة السنية، لا كما ادعى بعضهم بقوله: (الطرق إلى الله بعدد أنفاس الخلائق)، ولا كما قال الشعراني من أن (كل ما ابتدع على طريق القربة إلى الله فهو من الشريعة والسنة الظاهرة) (الأنوار القدسية في معرفة قواعد الصوفية 1/123 على هامش طبقاته).
ولا يكون الولي وليا لله تعالى إلا أن يكون موافقا في جميع أحواله للكتاب والسنة ظاهرا وباطنا، بمعنى أن لا يرى جواز الزيادة في الدين والتبديل فيه.
وأن المعرض عنهما لا يسمى وليا وإنما يوصف بما وصفه به رسول الله: (وأيم الله لقد تركتكم على مثل البيضاء، ليلها كنهارها [وفي رواية] لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك) (رواه أحمد وابن ماجة والترمذي وصححه الألباني في الصحيحة 937و 688).
فلو ذكر الرجل الله سبحانه وتعالى دائما ليلا ونهارا مع غاية الزهد، وعبده مجتهدا في عبادته ولم يكن متبعا لذكره الذي أنزله -وهو القرآن- كان من أولياء الشيطان (مجموع فتاوى أبن تيمية 11: 173).
فأساس الولاية الحقة هو السير على منهج القرآن والسنة، والتمسك بهما.
وما يزعمه بعض أهل الزيغ من أن جبريل نزل بعلم الشريعة، فلما تقرر نزل بعلم الحقيقة وهو علم الباطن، فإن هذا دعوة إلى غير الله ورسوله صلى الله عليه وسلم الذي أوصانا بالتمسك بكتاب الله وسنته ولن نزال على الهدى ما تمسكنا بهما. وما سواهما فهو ضلالة “وَأَنَّ هَـذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ”.
فالطرق الكثيرة التي ذكروها هي السبل التي نهى الله عنها في الآية. قال ابن تيمية رحمه الله تعالى: (ومن ادعى محبة الله وولايته وهو لم يتبعه فليس من أولياء الله، بل من خالفه كان من أعداء الله وأولياء الشيطان، قال تعالى: “قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ”، قال الحسن البصري: (ادعى قوم أنهم يحبون الله فأنزل الله هذه الآية محنة لهم) (الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان).
قال ابن القيم رحمه الله: (كل من كذب رسول الله وأعرض عن متابعته، وحاد عن شريعته ورغب عن ملته، واتبع غير سنته، ولم يتمسك بعهده ومكن الجهل من نفسه والهوى والفساد من قلبه، والجحود والكفر في صدره، والعصيان والمخالفة من جوارحه فهو ولي الشيطان) (هداية الحيارى في أجوبة اليهود والنصارى).
وقال الشوكاني رحمه الله: (والولي لا يكون وليا لله حتى يبغض أعداء الله ويعاديهم، وينكر عليهم).
ثم أوضح طبيعة المعاناة التي يلقاها أهل الاتباع والأثر من البدعة وأهلها فقال: (وقد تبلغ عداوات أهل البدع لغيرهم من أهل الاتباع فوق عداوتهم اليهود والنصارى).. فالعداوة بين المتبع والمبتدع أمرها أوضح من الشمس، فإن المتبع يعادي المبتدع لبدعته، والمبتدع يعادي المتبع لاتباعه. (قطر الولي على حديث الولي).
ومن شروط الولاية أيضا أداء الفرائض، فتارك الصلاة مثلا لا يسمى وليا على الإطلاق، وهذه المسألة متفرعة عن شرط الاتباع، فالصلاة أحد أركان الدين ولا تتحقق الولاية لتارك صلاة الفريضة وإن قام الدهر كله وصامه، على أن ترك الفرائض لا يؤدي إلى سلب الولاية من أصلها إلا الصلاة التي كان أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم لا يرون شيئا من العمل تركه كفر إلا هي (رواه الترمذي)، فإن المحافظة على الجُمع والجماعات من علامات الولاية، لا كما يظن بعض الذين يرون الشيخ يتخلف عن الجمع والجماعات ويظنون فيه ولاية الله.
وقد حكي عن بعضهم أنه بقي سنة كاملة لا يحضر جمعة ولا جماعة، وآخر لا يحضر الصلوات أبدا. ولما طلب منه جماعة من الفقهاء أن يذهب معهم لصلاة الجمعة اعتذر وقال: (ما لي عادة بذلك) فلما أنكروا عليه قال: (نذهب اليوم لأجلكم)، وثالث كان يفطر في نهار رمضان (طبقات الشعراني 2: 126 و136 و144و150).
وقد امتلأت تراجمهم وطبقاتهم بكرامات المجانين أمثال: بهلول المجنون، وأبي علي المعتوه، وابن القصاب المجنون، والشبلي الذي دخل المارستان مرتين وعمر المجذوب وإبراهيم العريان. (كتاب المختار من كلام الأخيار لمحمد علوي 8: 197 وطبقات الشعراني)،
فهؤلاء ليسوا أولياء بل مجانين، والمجنون لا يصح منه إيمان ولا عبادة فضلا عن أن يكون وليا تسطر له كرامات كاذبة وينسب إلى مقام الواصلين.. (انظر كتاب أولياء الله بين المفهوم الصوفي والمنهج السني السلفي).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *