مفهوم الرأي بين الشريعة الإسلامية والمواثيق الدولية وإعلانات حقوق الإنسان

معنى الرأي عند علماء اللغة والشريعة

الرأي: هو النظر بالقلب؛ ويطلق على الاعتقاد. (اللسان: 14/291؛ والقاموس: 1659).
قال الراغب: «والرأي اعتقاد النفس أحد النقيضين عن غلبة الظن» (المفردات: 209. والتعاريف للمناوي: 354، والكليات للكفوي: 480).
قال ابن القيم: «وحقيقته ما يراه القلب بعد فكر وتأمل وطلب لمعرفة وجه الصواب مما تتعارض فيه الأمارات، فلا يقال في الأمر الذي لا تختلف فيه العقول ولا تتعارض فيه الأمارات إنه رأي» (إعلام الموقعين 1/66).
فهذا الرأي الاصطلاحي عند علماء اللغة والشريعة، ومنه رأي محمود، ورأي مذموم. (انظر إعلام الموقعين 1/66-85، والفتح 13/331، والموافقات 3/422).

الرأي عند الغربيين
الرأي في الاصطلاح الغربي وعند من جرى عليه من المفكرين المسلمين أوسع مما ذكر علماء اللغة أو الشريعة، فهو عندهم كل ما يصدر عن الإنسان من قول سواء باللسان أو الإشارة أو الكتابة، ويسمونها حرية الرأي، وحرية إبداء الرأي، وحرية التعبير، وحرية القول، وحرية الضمير، وبعضهم يدخلها تحت حرية الفكر، ويقصد بحرية الفكر، أي: حرية إبدائه وإشهاره.
فحين نتناول حرية الرأي في الاستعمال المعاصر لا يصح أن نستدعي معنى الرأي عند المتقدمين، ونحصر الرأي في ما قالوا مما يوجب النظر والتفكير، وهو محل اختلاف واجتهاد، سواء ما كان منه محموداً أم ما كان منه مذموماً، بل يجب تناول حرية الرأي بحسب اصطلاح واضعيها، والناقلين عنهم.
واستعمالهم لها فضفاض واسع مستقل عن كل قيد ديني أوخلقي؛ يشمل كل ما يصدر عن الإنسان من أقوال؛ وما يجري مجراها من كتابات وتصاوير ورسوم ونحوها، وهذا يتبين من نصوصهم سواء في المواثيق الدولية أو كتابات المفكرين.
وحرية الرأي بهذا المصطلح الواسع هو ما نصت عليه المواثيق الدولية، وإعلانات حقوق الإنسان كلها:
ففي المادة التاسعة عشرة من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان نجد واضعيها نصوا على أمور ثلاثة:
1- لكل شخص حق التمتع بحرية الرأي والتعبير.
2- يشمل هذا الحق حريته في اعتناق الآراء دون مضايقة أو تدخل.
3- له الحق في التماس الأنباء والأفكار، وتلقيها ونقلها إلى الآخرين بأية وسيلة ودونما اعتبار للحدود. (حقوق الإنسان، الوثائق العالمية والإقليمية: 1/20).
وواضح في هذه الفقرات أن الرأي يعم كل ما يتلقاه الإنسان؛ وكل ما يصدر عنه من آراء وأفكار؛ سواء كانت محمودة شرعاً أم مذمومة شرعاً، وسواء كانت تحتاج إلى تفكير ونظر أم كانت لا تحتاج إليه.
ثم أُكد على هذه الحقوق في حرية التعبير في المادة التاسعة عشرة من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، وفي المادة العاشرة من الاتفاقية الأوربية لحقوق الإنسان، وفي الاتفاقية الأمريكية لحقوق الإنسان الصادرة عام1969م، وزادوا فيها: لا يجوز أن تخضع ممارسة الحق المنصوص عليه في الفقرة السابقة لرقابة مسبقة، بل يمكن أن تكون موضوعاً لفرض مسئولية لاحقة يحددها القانون صراحة، وتكون ضرورية من أجل ضمان:
1- احترام حقوق الآخرين أو سمعتهم.
2- حماية الأمن القومي أو النظام العام أو الصحة العامة أو الأخلاق العامة. (المصدر السابق: 1/348).
وورد في الميثاق الأفريقي الصادر عام 1979م: يحق لكل إنسان أن يعبر عن أفكاره وينشرها في إطار القوانين واللوائح. (المصدر السابق: 1/368).
وفي المادة الثانية والعشرين من الميثاق العربي لحقوق الإنسان المنبثق عن جامعة الدول العربية: حرية العقيدة والرأي مكفولة لكل فرد.
وفي المادة الثالثة والعشرين: للأفراد من كل دين الحق في ممارسة شعائرهم، كما لهم الحق في التعبير عن أفكارهم عن طريق العبادة أو الممارسة أو التعليم، وبغير إخلال بحقوق الآخرين، ولا يجوز فرض قيود على حرية العقيدة والفكر والرأي إلا بما ينص عليه القانون. (المصدر السابق: 1/382).
وفي المادة العاشرة من مشروع ميثاق حقوق الإنسان والشعب في الوطن العربي: لكل إنسان الحق في حرية الرأي والتعبير عنها… ولا يجوز وضع قيود على ممارسة هذه الحقوق إلا بموجب القانون وفي أضيق الحدود وبخاصة من أجل احترام حقوق الآخرين.
والمقررون لحرية الرأي من المفكرين المسلمين يعرفونها بأنها: تمكين الفرد من إبداء آرائه وأفكاره بحرية تامة بأي وسيلة كانت. (ينظر: المبادئ الدستورية العامة، د. محمود حلمي:275، وحقوق الإنسان وحرياته الأساسية في النظام الإسلامي والنظم المعاصرة، د. عبد الوهاب الشيشاني:95).
وبهذا يتبين أن تناولهم لحرية الرأي هو نفس التناول الغربي؛ غير أنهم قيدوها بقيود اختلفت عباراتهم في تقريرها وتحديدها. (انظر: حرية الرأي.. لإبراهيم الحقيل).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *