يتساءل المرء باندهاش عن سبب تحريك وزارة الأوقاف لبعض المجالس العلمية لشرح الحكمة من فرض الله تعالى لنصاب المرأة في الإرث ردا على مطالب بعض الجمعيات النسائية بالمساواة في الإرث بين الجنسين، وكأني بالوزارة لا تعلم بأن “المفتاح النظري لنظرية الإدماج والاندماج” التي يعزل على ضوئها الخطباء والأئمة وتعتبر خريطة للمشروع الديني المتساوق مع المشروع السياسي والذي من شأنه أن يزيل من الأذهان تماما احتمال التنافر أو الاصطدام بين المشروعين كما قال الوزير!!
خاصة وأن التحرك يأتي متزامنا مع رفع تحفظات المغرب على الاتفاقية الدولية للقضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة، والتي منها الإرث، ووراثة العرش، والنسب، والذمة المالية، والإمامة العظمى، والقوامة، والحرية الجنسية، وأشكال الزواج، والعلاقات الزوجية، وغيرها من الممارسات القانونية أو الأنظمة والأعراف التي تقوم عليها الأسرة مثلا، وكذا الممارسات الدينية أو الأخلاقية التي تعارف عليها المجتمع بناء على ضوابط شرعية أو اتفاقيات مرعية تنظم العلاقة بين الرجال والنساء من غير إضرار بطرف من الأطراف، انطلاقا من تكاملهما في إطار من المودة والتآلف والتراحم.
فهل سيؤدي رفع التحفظات إلى التطبيق الفعلي لمضمون الفقرة (و) من المادة 2 التي تقول: ” تتعهد -الدول الأطراف في الاتفاقية- بالقيام بما يلي” ..اتخاذ جميع التدابير المناسبة بما في ذلك التشريع لتعديل أو إلغاء القوانين والأنظمة والأعراف والممارسات التي تشكل تمييزا ضد المرأة”؟ وإذا لم يتم تطبيق ذلك بعد المصادقة أو نشأ خلاف حول تفسير أو تطبيق الاتفاقية فإن الأمر سيعرض على أنظار محكمة العدل الدولية –كما تنص على ذلك الفقرة الأولى من المادة 29 من الاتفاقية نفسها، وبالتالي نكون أضفنا مشكلا جديدا للمشاكل التي نرزح تحت وطأتها.
إننا ننتظر رأي الوزارة الوصية على المجالس العلمية لتبيان سبب خرقها لنظرية الإدماج والاندماج التي تجعل الضمير الديني لاحقا للفعل السياسي، وما دام السياسي جاء يرفع التحفظات، فإن أي مناهضة له تعتبر مناهضة لاختيار البلاد السياسي، لأن ما تفعله الوزارة من خلال مجالسها العلمية لا يخلق شروط الانسجام بين التعبئة الدينية والتوجيه السياسي، وبالتالي يعرقل مبدأ المصلحة المتمثلة هنا في رضا الأطراف الدولية المؤيدة للحركات النسائية التي ناضلت من أجل تحقيق هذا الانجاز التاريخي والذي على الوزارة ومجالسها الاحتفال به، خاصة وأنه يصادف أعياد الميلاد لا أن تنكد عليهن.
كما ننتظر من الوزارة ومجالسها تنوير الرأي العام حول آليات تنفيذ رفع التحفظات الماسة بالدستور أو الشريعة أو العادات والأعراف، فعسى أن يكون لديها من الإلهام ما يريح الأفهام من غزل الأوهام، والأمل في أن الذي لم يأت مع العروسة قد يأتي مع أمها.