أكثر بو هـندي مـصـطـفى بدعوته إلى الإلحاد والتنصير أبو عبد الرحمن ذو الفقار

 أوجه الفرق بين حرية المعتقد وحق التبشير

على هامش الحوار الذي نشرته جريدة الحياة العدد 97 بتاريخ 18-24 مارس 2010م. تحت عنوان “من حق المسيحيين أن يبشروا بدينهم” وعنوان “اليهود والنصارى مسلمون أيضا وما يوجد في القرآن نجده أيضا في الإنجيل والتوراة”، وهما لمصطفى بوهندي الذي طلع علينا كعادته بفكرة قديمة جديدة مغمورة يتيمة، موضوعها التقريب بين الأديان الثلاثة، لكن الهدف منها هو التشكيك وإلقاء الشبهات وإيقاع الفتنة بين المسلمين. ومصطفى بوهندي اختار أكثر من مرة أن يكون هو حامل راية هذه الدعوة، محاولا عرض الموضوع من زاوية حق التبشير والدعوة إلى التنصير بقوله: (فالدين الإسلامي يقوم على أنه “لا إكراه في الدين”، ومن ثم فحرية الدين مكفولة..)(1).
نعم “لا إكراه في الدين” معناه أن الإسلام لا يكره الناس على اعتناقه وترك معتقداتهم وتغيير ما في قلوبهم. لكن ليس معناه فتح المجال لنشر العقائد الفاسدة داخل المجتمع الإسلامي كما هو وارد في قولك: (من حق الناس أن تبشر بدينها وأن تدعو إليه، سواء أكان إسلاما أو مسيحية أو علمانية أو لا دين..)(2)، “لا إكراه في الدين” ليس معناه أن الإسلام لا يقي أهله من ضلال الأفكار، ولا يحول بينهم وبين الشك والتخبط والقلق والحيرة. ولا يحمي حصنه، ولا يحفظ حماه، ولا يضمن أمنه، ولا يقف في وجه من يهدد وجوده.
إن الإسلام دين جاء ليصحح اعتقادات أهل الكتاب والمشركين والوثنيين، لا ليسمح لها بالانتشار على حسابه، أو يقيم لها من نفسه ما يكون لها عونا على تضليل أتباعه وخذلانهم. الوقاية خير من العلاج، وقول بوهندي: (ونقول للمسلمين ابحثوا عن الإيجابيات في الإنجيل والتوراة وستجدونها)(3)، هو قول من يريد الإجهاز على هذا الدين، وطمس معالم الهدى وإضلال المهتدين، وإشاعة الفوضى بين المسلمين، ونثر الشكوك والأشواك في أذهانهم وطريقهم.
لا لقاء إلا على الإسلام، ومن لم يقر بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم لا يكون مسلما بحال.
يقول بوهندي “فعندما نقرأ القرآن ونقارنه مع التوراة والإنجيل سنجد أن ما يوجد في القرآن موجود أيضا في الإنجيل والتوراة”. هكذا!.. وبهذا الإطلاق؟!!
وهل معنى قوله هذا أن القرآن لحقه من التحريف ما لحق التوراة والإنجيل؟
أم معناه أن التوراة والإنجيل محفوظان من العبث كحفظ القرآن، وبالتالي فبأيها اقتدى المرء اهتدى؟
ألم يقرأ قول الله تعالى: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّىَ تُقِيمُواْ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ} المائدة، إن الله سبحانه يقرر بحسم أنهم ليسوا على شيء، حتى يقيموا التوراة والإنجيل، وإقامتهم التوراة والإنجيل في واقع حياتهم تستلزم منهم الإيمان بما بشرت به كتبهم من نبوة محمد صلى الله عليه وسلم والتسليم لما جاء به: {وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ} الصف.
لكن يهود زمان بعثة محمد صلى الله عليه وسلم ينكرون رسالة عيسى عليه السلام كما ينكرون رسالة محمد صلى الله عليه وسلم، وهؤلاء اليهود هم غير يهود موسى عليه السلام وإن زعموا الانتساب إليه؛ كما أن النصارى يقفون عند حد إيمانهم برسالة عيسى عليه السلام، وينكرون رسالة محمد صلى الله عليه وسلم، وهؤلاء أيضا هم غير نصارى عيسى عليه السلام وإن زعموا الانتساب إليه.
والمسلمون ينكرون على هؤلاء اليهود وعلى هؤلاء النصارى تفريقهم بين رسل الله وهم جميعا أتوا بالإسلام الذي لا يقبل الله غيره من أحد. {إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَن يُفَرِّقُواْ بَيْنَ اللّهِ وَرُسُلِهِ وَيقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَن يَتَّخِذُواْ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً أُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقّاً}.
فالإسلام يقتضي توحيد الله دون شريك، والإيمان برسله من غير تفريق، واتباع ما شرع بلا تبديل أو تحريف، فهذا هو الإسلام. وأهل الكتاب مسلمون، إذا آمنت أجيالهم بما آمنت به أسلافهم، وكان الإسلام في حسهم هو طريق واحد وخط موصول في موكب من الرسل.
فأهل التوراة مسلمون قبل التبديل، وأهل الإنجيل من آمن من أهل التوراة بعيسى عليه السلام واتبعه فيما جاء به، فهو مسلم. وأهل القرآن هم من آمن من أهل التوراة وأهل الإنجيل بمحمد صلى الله عليه وسلم وكل من اتبع رسالته وآمن بمن قبله من الرسل فهو مسلم. والذي يقول أن اليهود والنصارى على شيء وهم قد جحدوا نبوة محمد صلى الله عليه وسلم، هو كذلك كأهل الكتاب ليس على شيء من دين الإسلام.
وهذه هي مشكلة المدعو مصطفى بوهندي وسر انحرافه وضلاله، حيث يكمن في نوع فهمه للإسلام، وحصره لمدلول الدين وفق ثقافته الغربية في مجرد الإيمان بوجود الله؛ فمن أقر عنده بوجود الله فهو مسلم سواء كان يهوديا محرفا، أو نصرانيا مبدلا، وسواء كان منكرا لنبوة موسى أو نبوة عيسى و نبوة محمد عليهم الصلاة والسلام.
يقول بوهندي: (فالإسلام هو أن تسلم وجهك لله وتنتظر لقاءه، فكل الناس الذين يسلمون وجههم لله ويعبدون الله ويصلون هم مسلمون..)(5)، ويقول: (ولا يمكن لأحد أن يدعي أنه هو المسلم وغيره ليس مسلما)(6).
يا للسخرية!
ويا للمهزلة العقدية!!
المسلمون مسلمون، واليهود مسلمون! والنصارى مسلمون!
أية دعوة هذه؟
إن هؤلاء الذين يحاولون تمييع العلاقة بين الإسلام والنصرانية واليهودية باسم وحدة الأديان، يخطئون فهم الإسلام، كما يخطئون فهم النصرانية واليهودية. حيث لا يَتصور إمكان الجمع بينها إلا من لا يعرف الإسلام أو لا يعرف أهل الكتاب.
إنها دعوة تقوم على أساس محاولة نزع ثقة المسلمين بأن ما معهم وحده الحق، وأن ما خالفه الباطل. وتمييع العلاقة بينهم وبين اليهود والنصارى. وهم -أي أهل الكتاب- لا يعادون المسلمين إلا لمجرد أنهم مسلمون؛ وأنهم ليسوا يهودا ولا نصارى. ينقمون علينا أننا آمنا بالله، وآمنا بكتبه، وآمنا برسله أجمعين،{وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ}، {وَدُّواْ لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُواْ فَتَكُونُونَ سَوَاء}. هذه هي الحقيقة التي أراد تمييعها المخدوع مصطفى بوهندي باسم التسامح الديني، ووحدة الأديان. قصد طمس عقيدة الولاء والبراء، وإذابة الفوارق، وتطبيع العقائد، فلا ثمة مسلم ولا كافر، ولا هناك حق ولا باطل، ولا هدى ولا ضلال. في محاولة تحويل وإبعاد المسلمين عن الإسلام.
إننا أمام محرف يحاول تحريف وتشكيك المسلمين في مفهوم الإسلام، وتضليلهم عن طريق عرض الإسلام في مرتبة متساوية مع غيره من الأديان، ثم استدراجهم إلى الاعتراف لليهود والنصارى بأنهم على دين وأنهم على حق.
يقول بوهندي مستنكرا بتهكم على المسلم اعتقاده الجازم أن الحق معه: (اليوم بفعل مفهوم الإسلام الهوية، والهوية التاريخية للمسلمين، أصبحنا أمام تصورات خاطئة وخطيرة جدا على الدين بشكل عام. فنحن أصحاب الحق وغيرنا أصحاب الباطل. فأصبحنا نحارب الآخر بدعوى أننا نحارب الباطل…وهناك خطاب داخلي يقول: إن الإسلام هو الحق وهو ما أنتم عليه، وأن الآخر على الباطل وسوف يدخل إلى جهنم… إلخ، فلا بد من تصفية هذه المفاهيم وإعادة تصحيحها، وبدون هذا التصحيح، لا يمكننا الحديث عن التسامح والحوار بين الأديان)(7). سبحان الله! اعتقاد المسلم أن ما بعد الإسلام إلا الضلال؛ مفهوم لابد من إعادة تصحيحه؟!!
أين أنتم يا علماء البلاد؟
وأين هي مؤسساتكم الدينية؟
وأين هي مجالسكم العلمية؟
وإلى متى هذا السكوت؟
ولمصلحة من؟
وما السر في أن تكون المؤسسات الدينية دائما هي آخر من يتكلم؟
أو يرضيكم تسلل النصرانية إلى المسلمين واستدراج الطلاب المغاربة إلى أوحال التنصير والإلحاد تحت ستار الحوار بين الأديان؟
على كل حال نريد أن ندفع الإثم عن أنفسنا، اللهم قد بلغنا. فاللهم اشهد.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)(2)(3)(4)(5)(6)(7) جريدة الحياة العدد 97 18-24 مارس 2010

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *