كشفت الثورة العربية المعاصرة المشهد السياسي الدولي بكل أبعاده ومخططاته وتوجهاته في العالم العربي.
فالعالم الغربي يحيك مؤامراته ويحاول ما استطاع تثبيت موقفه والاستفادة مما ستفرزه هذه الثورات، كما أن الكيان الصهيوني ما زال مذهولا من هول الصدمة التي حلت بحليفه الاستراتيجي نظام حسني مبارك الساقط، مع أنه كان يرصد إرهاصات الثورة منذ خمسة عشر عاما ويحذر من انفجارها، كما صرح بذلك شمعون بيريز رئيس الوزراء الصهيوني سابقا في كتابه (الشرق الأوسط الجديد) حين قال (ص:62):
(إن الأصولية تشق طريقها سريعا وعميقا في كل بلد عربي في الشرق الأوسط مهددة بذلك السلام الأقليمي واستقرار حكومات بعينها -الحليفة للكيان الصهيوني- وثمة ضرورة للتصدي لهذا الخطر وإطفاء نيران التطرف الديني وتبريد رياح الثورة الساخنة)!
لقد حاول بيريز في كتابه رصد مظاهر الثورة وطرح الحلول لمواجهتها من أجل إقامة شرق أوسط جديد، غير أن الثورة العربية حدثت فجأة، وأسقطت الحكومات التي كان يخشى عليها بيريز، وذهبت اقتراحاته أدراج الرياح!
وإذا كانت مواقف كلا من المشروع الغربي الاستعماري ومشروع الاحتلال الصهيوني من الثورة العربية معروفة سلفا، فقد كانت الضربة قاضية وقاصمة للمشروع الإيراني الصفوي الذي تظاهر بالوقوف مع الثورة العربية المصرية والتونسية في البداية ليركب الموجة لترويج مشروعه الطائفي.
وخطب أحمدي نجاد بكل صفاقة ليتحدث عن الثورة العربية المصرية وأنها امتداد للثورة الإيرانية وأنها مقدمة لظهور المهدي!
غير أنه وفجأة قلب ظهر المجن للثورة العربية السورية والعراقية، ووقف ضدها وحرض عليها واتهمها بأنها مؤامرة خارجية، لا لشيء إلا لأن مصالحه في المنطقة التي اتخذت من العرب ورقة للمساومة والابتزاز تعرضت للخطر!
ولم ير أحمدي نجاد في تحرر العراق وشعبه من الاحتلال، وتحرر سوريا وشعبها من الاستبداد، تمهيدا لخروج المهدي بل تأخير لظهوره، فكان لا بد من الوقوف ضدهما، فنجاد هو الوكيل الحصري عن المهدي، والأعلم بما يصلح لخروجه وما لا يصلح!
لقد كان المشروع الصفوي يحاول فرض نفسه على المنطقة لا كشريك، بل كبديل عن النفوذ الغربي الاستعماري، وكوصي على المنطقة حين غاب المشروع العربي الإسلامي، وخلت المنطقة للمشروعين الصليبي الصهيوني من جهة، والصفوي الطائفي من جهة أخرى، يتصارعان تارة، ويتفاهمان تارة، في غياب كامل لمشروع الأمة الذي سقط منذ سقوط الخلافة العثمانية في الحرب العالمية الأولى!
إن وقوف حكومة أحمدي نجاد ضد الشعب السوري وثورته السلمية الشعبية، وضد الشعب العراقي وثورته على الاحتلال وحكومة الاحتلال الطائفية، وما كشف من دعم إيران وحزب الله لنظام بشار بالحديد والنار، كل ذلك يفضح ازدواجية معايير السياسة الإيرانية في المنطقة العربية، وأنها لا تقوم على أساس قيمي أخلاقي بل على أساس مصلحي طائفي، وأن حكومة إيران حين تقف هنا أو هناك فهي تراعي مصالحها القومية والطائفية قبل أن تراعي المصالح الإستراتيجية للأمة وللعالم الإسلامي! (الثورة العربية والمواقف الإيرانية؛ دكتور حاكم المطيري).
وحتى نجلي الصورة أكثر حول الدور الإيراني في المنطقة، وموقفه الحقيقي من الثورات التي اندلعت في العديد من الدول العربية، ارتأينا فتح هذا الملف.