من جديد.. ربيع المدخلي يحرض على الكراهية في بنغازي وهيئة علماء ليبيا تطالب بتدخل وزارة الخارجية السعودية وهيئة كبار العلماء عبد الله مخلص

ليلة واحدة بعد ليلة القدر المباركة؛ وبعد أن ارتفعت أصوات الأئمة والدعاة والعلماء بسؤال الله تعالى وحدة صفوف المسلمين وجمع كلمتهم ولم شملهم وحقن دمائهم، خرج الشيخ المثير للجدل ربيع المدخلي ببيان جديد، أوصى في مطلعه “السلفيين ﺧﺼﻮﺻًﺎ، ﻓﻲ ﺍﻟﺴﻌﻮﺩﻳﺔ، ﻭﺍﻟﻴﻤﻦ، ﻭﻟﻴﺒﻴﺎ، ﻭﺍﻟﻤﻐﺮﺏ، ﻭﺍﻟﺠﺰﺍﺋﺮ، ﻭﺍﻟﻬﻨﺪ، ﻭﺑﺎﻛﺴﺘﺎﻥ.. ﺃﻥ ﻳﺘﺂﻟﻔﻮﺍ، ﻭﻳﺘﺴﺎﻣﺤﻮﺍ ﻓﻴﻤﺎ ﺑﻴﻨﻬﻢ، ﻭﺃﻥ ﻳﻄﺮﺣﻮﺍ ﺍﻟﺨﻼﻓﺎﺕ ﺟﺎﻧﺒًﺎ ﻭﻳﺒﺘﻌﺪﻭﺍ ﻋﻦ ﺃﺳﺒﺎﺏ ﺍﻟﺨﻼﻑ ﻭﺍﻟﻔﺮﻗﺔ ﻭﺍﻟﺸﻘﺎﻕ، ﻭﺗﺮﻙ ﻛﻞ ﻣﺎ ﻳﺆﺩﻱ ﺇﻟﻴﻬﺎ”.
إلا أن ربيعا سرعان ما نكث غزله، وعاد في بيانه الموقع ﻟﻴﻠﺔ ﺍﻷﺣﺪ 28 ﺭﻣﻀﺎﻥ 1437ﻫـ ليتدخل في شأن بعيد عنه، وقطع بلسانه آلاف الكيلومترات ليحذر السلفيين في ليبيا من خطر الإخوان المسلمين الذين اعتبرهم المدخلي أخطر الفرق على الإسلام.
حيث قال المدخلي في بيانه المثير: “ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺴﻠﻔﻴﻴﻦ ﻓﻲ ﻟﻴﺒﻴﺎ ﺍﻟﻨﺼﺮﺓ ﻟﺪﻳﻦ ﺍﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻭﺣﻤﺎﻳﺘﻪ ﻣﻦ ﺍﻹﺧﻮﺍﻥ ﺍﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ ﻭﻏﻴﺮﻫﻢ؛ ﻓﺎﻹﺧﻮﺍﻥ ﺍﻟﻤﺴﻠﻤﻮﻥ ﺃﺧﻄﺮ ﺍﻟﻔِﺮﻕ ﻋﻠﻰ ﺍﻹﺳﻼﻡ ﻣﻨﺬ ﻗﺎﻣﺖ ﺩﻋﻮﺓ ﺍﻹﺧﻮﺍﻥ ﺍﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ، ﻭﻫﻢ ﻣﻦ ﺃﻛﺬﺏ ﺍﻟﻔﺮﻕ ﺑﻌﺪ ﺍﻟﺮﻭﺍﻓﺾ؛ ﻋﻨﺪﻫﻢ ﻭﺣﺪﺓ ﺃﺩﻳﺎﻥ، ﻭﻭﺣﺪﺓ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ، ﻭﻋﻨﺪﻫﻢ ﻋﻠﻤﺎﻧﻴﺔ”.
وزاد الشيخ، الذي تنسب إليه فرقة المداخلة الغلاة الذين عرفوا بالطعن في العلماء والدعاة والتحذير من الصالحين، من حدة هجومه على جماعة الإخوان فادعى أنه: “ﻗﺪ ﻗﺎﻣﺖ ﻟﻬﻢ ﺩﻭﻝٌ ﻓﻲ ﻋﺪﺩ ﻣﻦ ﺍﻟﺒﻠﺪﺍﻥ، ﻓﻠﻢ ﻳﻄﺒﻘﻮﺍ ﺍﻟﺸﺮﻳﻌﺔ ﺍﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ﻻ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﻘﻴﺪﺓ ﻭﻻ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﺎﻛﻤﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﺪﻧﺪﻧﻮﻥ ﺣﻮﻟﻬﺎ ﻣﻨﺬ ﻧﺸﺄﺕ ﺩﻋﻮﺗﻬﻢ ﻭﻳﻜﻔﺮﻭﻥ ﺍﻟﺤﻜﺎﻡ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻻ ﻳُﺤَﻜِّﻤُﻮﻧَﻬﺎ”!!!
كما هاجم ربيع المفتي العام لليبيا د. صادق الغرياني، الذي أمضى أكثر من ثلاثين سنة في التدريس الجامعي، ووصفه بـ”ﺍﻹﺧﻮﺍﻧﻲ ﺍﻟﻤﻌﺘﺰ ﺑﺴﻴﺪ ﻗﻄﺐ ﻭﺍﻟﻤﻮﺟﻪ ﻟﻠﺸﺒﺎﺏ ﺇﻟﻰ ﻗﺮﺍﺀﺓ ﻛﺘﺒﻪ ﺍﻟﻤﻠﻴﺌﺔ ﺑﺎﻟﻀﻼﻻﺕ ﺍﻟﻜﺒﺮﻯ”، وادعى أن “ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻐﺮﻳﺎﻧﻲ ﻳﻬﺪﺩ ﺑﻨﻐﺎﺯﻱ ﺑﺎﻟﺤﺮﺏ، ﻭﻫﻮ ﻻ ﻳﺤﺎﺭﺑﻬﺎ ﺇﻻ ﻣﻦ ﺃﺟﻞ ﻣﺤﺎﺭﺑﺔ ﺍﻟﺴﻠﻔﻴﻴﻦ”.
وفي ختام بيانه الذي يطرح أكثر من علامة استفهام، شدد ربيع على ﺍﻟﺴﻠﻔﻴﻴﻦ بـ”ﺃﻥ ﻳﻠﺘﻔﻮﺍ ﻟﺼﺪِّ ﻋﺪﻭﺍﻥ ﺍﻹﺧﻮﺍﻥ ﺍﻟﻤﻔﻠﺴﻴﻦ، ﻭﻻ ﻳُﻤﻜِّﻨﻮنهم ﻣﻦ ﺑﻨﻐﺎﺯﻱ”، لأن الإخوان بالنسبة له “ﺃﺷﺪ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺴﻠﻔﻴﻴﻦ ﻣﻦ ﺍﻟﻴﻬﻮﺩ ﻭﺍﻟﻨﺼﺎﺭﻯ”، وداعش الذي ترتكب المجازر الوحشية ما هي إلا “ﻓﺼﻴﻞ ﻣﻦ ﻓﺼﺎﺋﻞ ﺍﻹﺧﻮﺍﻥ ﺍﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ”!!!
هيئة علماء ليبيا: منشور ربيع خطاب تحريضي لا يختلف عن خطاب العلمانيين
الرد الليبي لم يتأخر كثيرا، حيث أصدرت هيئة علماء ليبيا في الثالث من شوال 1437هـ (8-7-2016م) بيانا استنكرت فيه ما ورد في منشور ربيع المدخلي واعتبرته “تدخلاً سياسياً غير ناضج ولا مدروس في الشأن الليبي الداخلي، وتحريضاً على الفتنة والاقتتال بين المسلمين في ليبيا”.
واعتبرت الهيئة أن “هذا المنشور لو صدر عن هيئات سياسية أو شخصيات تمثل حكوماتها لربما ضربت عنه صفحاً، أو كان الرد عليه إلى جهات ليبية مماثلة، ولكن أن يصدر مثل هذا التحريض في ثوب نصيحة دينية للشباب الليبي، ويحمل في طياته طعناً في علماء ليبيا، وفي الشباب الذي يقف في وجه قوى البغي والعدوان، فإنَّ الأمر يتطلب من هيئة علماء ليبيا رداً وبياناً.
وبناء عليه أكدت الهيئة على ما يلي:
أولاً: إنَّ الانتساب إلى منهج السلف نسبة شريفة، تعني الاقتداء بالصحابة والتابعين وأتباعهم بإحسان في العقيدة والعبادة والخلق والمعاملة، وعلى أصحابها أن يكونوا في مستوى هذه النسبة العظيمة، وألاَّ تكون مجرد دعاوى باللسان تكذبها الأفعال، فيكونوا مطية لغيرهم في تدمير بلادهم وسلب أمنها، والتمكين لأعداء الله فيها.
ثانياً: تدعو الهيئة الليبيين إلى عدم اتباع ما ورد في هذا المنشور؛ لما فيه من التحريض المباشر وغير المباشر، ولمخالفته لشرع الله وواقع البلد.
أمَّا الواقع، فلأنَّ الحرب الدائرة في بنغازي اليوم ليست حرباً بين جماعة الإخوان المسلمين وأهالي بنغازي كما جاء في المنشور، وإنَّما هي حرب تحرير يقودها فتية من أبناء بنغازي (منهم الطبيب، والمهندس، والطالب الجامعي، والرياضي) ضد كتائب المجرم الانقلابي حفتر، الذي يريد أن يُعيد البلاد إلى سابق عهدها في حكم القذافي الذي لا يخفى على أحد عداؤه للدين وأهله، مع تصريح كثير من القيادات التابعة لحفتر بأنَّهم لا يريدون شرع الله ولا تحكيمه، وأنهم مستعدون للتحالف مع الشيطان، ولا يريدون أن يهنأ الليبيون باختيار من يحكمهم، بل هجَّروا وشردوا كلَّ من عارضهم، وأحرقوا بيوت كثير منهم.
كما أنَّ ما جاء في المنشور من أنَّ داعش فصيل من فصائل جماعة الإخوان المسلمين الذين يكفرون السلفيين ويستحلون دماءهم لمن البهتان الواضح الذي يعلم الداني والقاصي بطلانه.
وأمَّا مخالفته للشرع، فلأنَّ الله سبحانه أمر المسلمين عند وقوع القتال بين طائفتين منهم بالإصلاح بينهما، فإن أبت إحداهما الصلح أُمِر الجميع بقتالها، قال الله تعالى: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} الحجرات:9.
ولا شك أنَّ الباغي في هذه الحرب هو حفتر ومن معه، فإنَّه هو من بدأ الحرب، زاعماً محاربة الإرهاب، فهاجم معسكرات الثوار المعروفين في المدينة بالاستقامة والتديّن، الذين حمَوا صناديق انتخابات البرلمان الذي عيَّنه قائداً عاماً. ولو كانوا غلاة إرهابيين كما زعم هو ومَن سلك مسلكه، لما فعلوا ذلك”.
وأكد بيان علماء ليبيا “على جميع الليبيين -سلفيين وغيرهم- أن يوحدوا صفوفهم، ويسعوا في تخليص مدينة بنغازي ممَّا يكيده لها المدعو حفتر ومن معه، من تدمير بالبراميل المتفجرة، وقتل للعلماء والدعاة، وتهجير للأخيار، وذلك بعد أن فشل في السيطرة على طرابلس إثر انقلابه التلفزيوني الشهير عام 2014م.
ثالثاً: تدعو الهيئة وزارةَ الخارجية الليبية إلى مخاطبة الخارجية السعودية، وهيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية لوضع حد لمثل هذه التدخلات المسيئة لمواطنيها في الشأن الليبي، وإلقاء التهم جزافاً لعلماء البلد، وعلى رأسهم المفتي العام، والإساءة إليهم وللشباب الشرفاء الذين حرَّروا ليبيا من عدو الله وعدو دينه القذافي، ويقاتلون الآن حفتر السائر على منهج القذافي وسنته، تهمٌ وتدخلاتٌ بلغة هابطة بعيدة عن التحلي بالمسؤولية، وبخطاب تحريضي لا يختلف عن خطاب العلمانيين من العوام الذين يُطلقون كلمة الإخوان على كلِّ متدينٍ يرتاد المساجد ويهتم بشأن أمته، إلى غير ذلك ممَّا هو مخالف لما تقتضيه أمانة العلم والأخوة الإسلامية، ولِمَا يحمله علماء ليبيا -وعلى رأسهم المفتي العام- لعلماء المملكة السعودية من تقدير واحترام، فإنهم بحمد الله يُجلُّونهم ويحرصون كل الحرص ألاّ يتعرض لهم أحد بسوء، ويتمنون أن يدوم ذلك، وألاَّ يفسده عليهم أحد؛ فإن العلم رحم بين أهله”. اهـ.
تجدر الإشارة إلى أن كلام ربيع المدخلي يشكل خطرا كبيرا على المجتمع الليبي، خاصة وأن الموالين له وللتيار المدخلي المتطرف يقاتلون بالسلاح إلى جانب اللواء حفتر، ويسفكون دماء كل من يعتبرونهم “إخوانا مسلمين” أو “مفلسين” أو “دواحس” كما يعبرون عن ذلك بلغة فيها كثير من الكبر والاستعلاء على الخلق.
وأفعالهم المتطرفة تلك تصدر عن فتاوى عابرة للقارات ينتجها بعض الدعاة الذين يعيشون في جزر معزولة، ولديهم تصور مغلوط تماما عن الواقع في ليبيا وغيرها، وجلهم يتم توظيفهم من طرف جهات يهمها كثيرا ألا تنجح الثورة في ليبيا وغيرها، وأن تفشل تجربة الإسلاميين في العالم العربي والإسلامي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *