لماذا تتحجب المرأة المغربية؟ حمّاد القباج

يصعب على ضعيف الإيمان أن يستوعب الجواب على هذا السؤال، لأن هذا الجواب مرتبط ارتباطا وثيقا بموضوع الإيمان والاحتساب الذي لا يفهمه على وجهه إلا من صفا قلبه، ولم يُغَلّف بحجاب غليظ من الشبهات والذنوب والآثام ، يجعله يرى المنكر معروفا والمعروف منكرا.
وباستحضار هذه الحقيقة يمكن أن نفهم سبب تخبط العلمانيين في مناقشة موضوع: (سبب اختيار النساء الحجاب على التبرج)، وتيههم في معرفة: لماذا تترك المحجبة حياة الانسلاخ والمتعة المطلقة وتزهد في أنواع اللباس الفاتن الجذاب، وفي العلاقات الحرة من قيود الدين التي تُفْرط في إشباع غريزتها، لتختار نمطا معينا من اللباس وتؤْثر -في سلوكها- الانضباط بأحكام الشرع الحنيف وآدابه؟!
فهذا أمر يحير الإنسان الذي اختار العيش بعيدا عن الله سبحانه، وأحب أن يتنعم بنعم الله دون أن يشكره، ويستفيد من مخلوقات الله دون أن يذكره، ولذلك تلمَّس مسوِّدو (نيشان) الجواب عن ذاك السؤال في مثل هذا الكلام: (الفتاة نفسها في أغلب الأحيان لا تضع الحجاب لسبب واحد معين لذاته، بل لأسباب متداخلة: “البحوث التي أجريت في المغرب حول الحجاب أظهرت أنه ظاهرة معقدة، لا يعبر عن شيء واحد حتى للفتاة الواحدة”. الحالات التي استجوبها فريق جنجار أظهرت أن لكل واحدة خصوصياتها: “كل واحدة عندها قصة خاصة. هناك من ترتدي الحجاب لأنها اتفقت مع شخص للزواج وطلب منها أن تضعه فرضخت لأمره، وهناك من وضعته لتحافظ على علاقة سلام بزملائها في العمل … قليلة هي الحالات المستجوبة التي تتعلق بمن تعتبر نفسها ارتدت الحجاب لأنها اهتدت إليه بعد ضلال… عموما فالبعد الديني ثانوي مقارنة بالأسباب الأخرى”)! [نيشان ع:187].
وبعيدا عن هذا الكلام المجحف المتناقض، الذي يعبر عن التيه والحيرة وضيق الصدر من أحكام الشرع، وضيق الفهم عن استيعاب معاني التقرب والاحتساب؛ نرجع للجواب عن السؤال الذي جعلته عنوان المقالة من أجل بيان السبب الحقيقي والصحيح لالتزام المؤمنة بالحجاب:
وسأصدر في ذلك عن أصل ومبدأ تشريع الحجاب وتجاوب المسلمات الأوائل مع هذا التشريع:
عن عائشة رضي الله عنها قالت: “يرحم الله نساء المهاجرات الأُوَّل؛ لما أنزل الله: “وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ”، شققن أكثََفَ مروطهن، فاختمرن بها” [رواه أبو داود وصححه الألباني].
بين هذا الحديث مبدأ تشريع بعض أحكام الحجاب بنزول الآية 31 من سورة النور؛ وهي قوله تعالى: “وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ” الآية.
والجيوب جمع جيب وهو فتحة القميص التي يدخل منها رأس اللابس، والمراد بها في الآية: ما يحيط بها عادة من جسم الإنسان؛ وهو العنق، فقد أمر الله تعالى المرأة بستره، وهو معنى الضرب بالخمار: أن تسدل المرأة غطاء الرأس على ما تحته من الأذنين والعنق، ولا تقتصر على تغطية الشعر وحده كما تفعل بعض النساء في الجامعات الفرنسية تحت إكراه القانون الجائر!
كما كشف الحديث عن معطى مهم؛ وهو ما كانت عليه المرأة المؤمنة من سرعة الاستجابة لأحكام الله ابتغاء مرضاته سبحانه؛ فإن المهاجرات لفقرهن لم يكن قادرات على اقتناء ثوب يخصصنه لتنفيذ الأمر الإلهي، ومع ذلك لم يتخلفن ولم يتلكأن بحجة الفقر وقلة ذات اليد، بل عمدن إلى أكثف (أي أغلظ) مروطهن (جمع مرط، وهو الإزار)، فقطعن منه ثوبا غطين به ما أمر الله تعالى بستره، رضي الله عنهن.
وهكذا نلاحظ أن الوازع الديني والاستجابة لأمر الله عز وجل؛ هو الدافع الأول والصحيح لتحجب المرأة، وهو حال كل مؤمنة رضيت بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا، وهو حال المؤمنة الحيية الكريمة التي تجملت بزي التقوى، وتدثرت بلباس الحياء والوقار، وشتان بين هذه وبين مثيلات (سناء العاجي) التي لم تجد غضاضة في سؤال (أخصائي الجنس) بطريقة متهتكة أقرب إلى العهر منه إلى “التربية الجنسية”، هذه التربية التي يتخذها العلمانيون وسيلة لإشاعة الفحش في الكلام والدعوة إلى الرذيلة بمحاربة قيم العفة والحياء.
وما تقدم كاف لكشف تهافت تلك الأجوبة (السوفسطائية) عن سبب تحجب المرأة، وبيان أنها أجوبة مغلفة بتلبيسات (فلسفية) تخدم قناعات (إيديولوجية)، مهما أوهم أصحابها أنها (تحليلات نفسية) ونتائج (دراسات اجتماعية)!
ومن تمام التوضيح؛ أن أؤكد -مع الأسف- وجود نساء منافقات أو مذبذبات؛ يرتدين حجابا معينا لأغراض دنية ومصالح دنيوية، ولكن تبقى هذه (ظاهرة مرضية) تعالج بدوائها الصحيح الذي تتلخص مكوناته في عناصر أساسية؛ لُبّها: زرع المعاني العظيمة والعميقة للإيمان بالله واليوم الآخر تعظيما لشعائر الله، كما نفهم ذلك من توجيه القرآن الكريم الخطاب التكليفي بالحجاب إلى المؤمنات دون غيرهن من النساء “وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ” الآية.
أما أن نتناول هذه (الظاهرة المرضية)، بنفسية أشد منها مرضا، تقوي الداء وتمكن أكثر لفيروسه، فهذا سلوك المفسدين..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *