الرقابة على الأفلام والأعمال السينمائية..من المسؤول؟

 

ينافح أصحاب النزعة العلمانية ذات التوجه الفرداني الشهواني على منع كل أشكال الرقابة على الدراما والأفلام السينمائية المغربية، أو الأجنبية الوافدة على حد سواء، بحجة أننا لسنا في بلاد طالبان ولا إيران، وأن الفن لا تفرض عليه قيود.

لكن تبقى هذه مجرد دعاوى علمانية فارغة لأن أعتا الدول صناعة للسينما في العالم تفرض رقابة على أفلامها، وأقصد بذلك هوليوود التي كانت تحت رقابة صارمة لقانون “هايز” المستوحى من العقيدة الكاثوليكية، وإشراف رجل دين، والذي نجح في مراقبة أفلام هوليوود لما يقرب من ثلاثة عقود.

وقانون “هايز” هو قانون إنتاج الأفلام “Motion Picture Production Code” ‏وكان عبارة عن مجموعة من التعليمات للرقابة الأخلاقية التي حكمت إنتاج الأفلام الأمريكية التي أصدرتها الشركات الرئيسية من عام 1930 إلى 1968.

وسمي هذا القانون على اسم رئيس الرقابة في هوليود آنذاك، ويل هاريسون هايز، وهو الكاهن المشيخي للكاثوليكية (رجل دين).

وبعد سنة 1968، تم تغييره والتخلي عنه لهيئة رقابية جديدة وهي” نظام تقييم الأفلام“، ووضّح قانون الإنتاج ما كان مقبولا وغير مقبول للأفلام المنتجة للجمهور العام في الولايات المتحدة، كما أخضعت الهيئة الرقابية الجديدة صناعة الأفلام في الولايات المتحدة الأمريكية لنظام قوانين رقابية وقيود صارمة، فهذه الهيئة لن تسمح بالترخيص لأي فيلم أو الخروج إلى قاعات العرض إلا بعد تقييمه وتوفره على تصنيفالذي  (Rating) يحدد السن القانونية لمشاهدة الفيلم.

فهل المجتمع الأمريكي مجتمع منافق، على حسب الفكرة التي يكررها اللادينيون في بلاد المسلمين، والتي يسمون بها المعارضين لطرحهم، وأن عدم الاستغناء عن جهاز الرقابة يدل على أن المجتمع يعاني من نوع من الفصام المرضي لكونه رافض لتسليط الأضواء على ما يحدث من موبقات سرا خلف الأبواب الموصدة.

وفي ذات السياق، تجدر الإشارة إلى أن المركز السينمائي المغربي يتبع سياسة دعم الكم الإنتاجي في المغرب، الذي يمثل الثالوث: الدين والسياسة والجنس، وهي المحاور الأكثر سخونة، والتي تثير الجدل داخل المجتمع بكل أطيافه ومكوناته، فإن المركز لا يفرض قيودا تذكر على الدراما والأفلام السينمائية، حتى تلك التي يفرضها البلد المنتج لها، بل يجعلها متاحة لكل المشاهدين بمختلف أعمارهم.

وإذا نظرنا إلى الرقابة، التي هي “الحسبة” بتعبير شرعي، فهي ضرورية للمجتمعات حتى لا تفسد ويختل توازنها، فلكل مجتمع طريقته في فرض الرقابة تتساوق مع دينه وثقافته وهويته وانتمائه، يعتمدها للحفاظ على منهج دولته، ومقوماتها الأساسية، وكما ذكرنا آنفا من تولية “رجل دين” على جهاز الرقابة الأمريكي، والذي لم يتم اختياره عبثا بل كان القصد منه كما صرح المؤسسون للجهاز في بلاد العم سام، هو “تخليق السينما”.

وبما أننا في المجتمعات المتدينة المحافظة فعندنا مرجعيتنا التي تلعب دورا جوهريا ومحوريا في التخليق الجمعي، وبالتالي تأتي مسؤولية العلماء في الصدارة لمراقبة هذه الإنتاجات الدرامية والسينمائية، للمسؤولية الاعتبارية التي على عاتقهم أمام الله أولا ثم أمام أفراد الأمة، لأن الفقهاء اشترطوا أن يكون المراقب “المحتسب” عالما بالشريعة، صلبا في الحق، عارفا بمعالجة المشاكل حتى يستطيع أن يقوم بالمهمة على خير وجه.

ولكي تتحمل الحكومة مسؤوليتها يجب أن تُكوّن لجنة تضم علماء ومؤرخين ونقاد ومجتمع مدني، تختار أفرادها بعناية، وفق شروط واضحة، ولولايات متجددة على مدة زمنية محددة، يقومون بدور الرقابة على كل الإنتاجات الدرامية والسينمائية المغربية منها والمستوردة، للحفاظ على الأمن الروحي والاستقرار النفسي للمغاربة، وترشيد أموالهم التي تنفق على من لا يستحق.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *