جاءت الرسالة الإسلامية لدعوة الناس لإفراد خالقهم سبحانه وتعالى بالعبادة وترك كل معبود سواه، قال تعالى: “وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلاَّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدُونِ” الأنبياء.
وقد حذر الإسلام من عاقبة الشرك وتوعد أصحابه بالوعيد الشديد، فبين الله سبحانه أن الشرك ذنب لا يُغتفر فقال: “إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيداً” النساء.
وأخبر أن الشرك مُحبط للأعمال، وأن حكم المشرك هو الخلود في نار جهنم فقال: “إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ” المائدة.
وما تركت نصوص القرآن والسنة بابا يؤدي إلى الشرك إلا وأغلقته حماية لجناب التوحيد، ولعبادة الرب الحميد سبحانه وتعالى، ومع ذلك ترك كثير من الناس المحجة البيضاء والشريعة الصافية الغراء، وقصدوا الشرك بالله سبحانه وتعالى، فتحقق بذلك عَلَم من أعلام نبوة رسول الإسلام عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام الذي قال: “لا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَلْحَقَ قَبَائِلُ مِنْ أُمَّتِي بِالْمُشْرِكِينَ وَحَتَّى تَعْبُدَ قَبَائِلُ مِنْ أُمَّتِي الْأَوْثَانَ” رواه أبو داود وصححه الألباني.
ومن أعظم البدع الشركية التي انتشرت اليوم ما يشاهد عند القبور من صرف صنوف العبادات وألوان الطاعات لهؤلاء المقبورين الذين لا يملكون لأنفسهم -فضلا عن غيرهم- نفعا ولا ضرا.
فكثير من الناس إذا ألمت بهم مصيبة أو وقعوا في مُدْلهمة تركوا التوجه لله سبحانه وتعالى وصاحوا مستغيثين: “أمولاي عبد القادر الجيلالي..” أو “يا مولاي عبد السلام..” أو “يا حسين..” كما يقول الشيعة، أو غيرها من المعبودات، والله تعالى يقول: “ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِن قِطْمِيرٍ، إِن تَدْعُوهُمْ لاَ يَسْمَعُوا دُعَاءكُمْ وَلَو سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلاَ يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ” فاطر.
وصنف آخر من الناس ابتلاهم الله بالعقم فتنادوا بينهم أن اغدوا إلى “مولاكم بوشعيب الرداد” فإنه يهب لكم البنات والبنين عياذا بالله من هذا الإفك المبين والقول المشين، وأين ترك هؤلاء قول الله تعالى: “يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَن يَخْلُقُوا ذُبَاباً وَلَو اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِن يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئاً لَّا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ” الحج.
ومن فقد بصره وجَّهوه لقبر أبي العباس السبتي، ومن فقد عقله حجوا به إلى قبر “بويا عمر”، ومن أصيب بصرع أو مس دلوه على صخرة “شمهروش”، وما تركوا مرضا ولا سقما إلا وأوكلوا شفاءه لمقبور من المقبورين..
ولا تسل عما يحدث أثناء زيارة هذه القبور من الطقوس البدعية الشركية، فأول ما يصل الزائر إلى الضريح يزيل نعله في أدب ثم يدخل ويسلم على صاحب القبر في خشوع، ويطوف سبعة أشواط يقبل أثناء كل شوط منها كل ركن من أركان القبر الأربعة، فإذا انتهى اشتم كساء القبر وتمسح به، ثم يقصد تربة القبر ليتمسح بها ويتزود منها، ويضطجع بجانب القبر في سكينة ووقار، ويأخذ في البكاء والنحيب.. ناهيك عن الذبح لهذا القبر والنذر له والركوع عند الدخول والخروج، ومن إخلاصهم لمعبوديهم من المقبورين أنهم لا يحلفون إلا بهم، ولا يصدقون من حلف بغيرهم ولو حلف بالله سبحانه وتعالى، والله المستعان.
ومعلوم أن كل أنواع العبادات التي يقوم بها بعض الجهال في هذه الأماكن كالذبح والنذر والخشوع والخشية والدعاء والتوكل والخوف والرجاء والرهبة والرغبة.. التعبد بها لغير الله سبحانه وتعالى شرك أكبر مناقض لعقيدة التوحيد الخالص الذي أمر الله به عباده قال تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} الأنعام، كما أنها أعمال تناقض التوحيد لقول الله سبحانه: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلاَ تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً} الجن.
أما عن عدد الحاجين لهذه القبور المتقربين لها بالذبائح والنذور والداعين لها المستغيثين بها فهم أضعاف حجاج بيت الله الحرام.
إن الإسلام لم يشرع زيارة القبور إلا لأمرين:
– الاعتبار والاتعاظ وتذكر الموت والدار الآخرة.
– الإحسان إلى الأموات بالسلام عليهم والدعاء لهم بالرحمة والمغفرة.
وكل غاية ما عدا هذين الأمرين الذين دَلَّ عليهما الشرع فهي باطلة بلا شك ولا ريب ولا مِرْيَة.
ومن ذلك تعيين يوم أو شهر أو أسبوع لزيارة قبر من القبور فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لا تتخذوا قبري عيدا..” رواه أبو داود.
قال المُنَاوي: “ويؤخذ منه أن اجتماع العامة في بعض أضرحة الأولياء في يوم أو شهر مخصوص من السنة ويقولون هذا يوم مولد الشيخ ويأكلون ويشربون وربما يرقصون فيه منهي عنه شرعا، وعلى ولي الشرع ردعهم على ذلك، وإنكاره عليهم وإبطاله”.
فإذا كان حفظ الدين من أجل مقاصد الشريعة، فعلى السادة العلماء أن يقوموا بواجبهم في إنكار هاته المخالفات العقدية التي تزعزع الأمن الروحي والعقدي للمغاربة، كما أن على الوزارة الوصية على الشؤون الإسلامية أن تعيد النظر في سياسة دعم الأضرحة والمواسم، فإذا كان بعض من يقوم بهاته البدع الكفرية معذورا عند الله تعالى لجهله فلا عذر للقائمين على الشأن الديني من علماء ومسؤولين في عدم تصحيح عقائد المغاربة وحمايتها من الزيغ والانحراف.