اللباس أول ما يستقبل من الإنسان، ومن هنا كان للإسلام عناية بالغة بالمظهر، فلم يخل كتاب فقه في شريعتنا الغراء من كتاب اللباس، وقد نالت المرأة المسلمة من هذا الإرث النصيب الأوفر والحد الأكبر، ومنحها الإسلام من الاحترام والإكرام ما تتمنى أن تحصل عليه كل امرأة غير مسلمة، إكرامًا لن تجده له مثيلاً، لا في تشريع وضعي، ولا في اجتهاد بشري، ولا في توصية مؤتمر عالمي، ولا في قرار اتحاد نسائي.
وقد ظلت المرأة المسلمة طيلة أربعة عشر قرنا متمسكة بزيها الشرعي، وقبل سنة 1342هـ/ 1924م كان الحجاب التام والسابغ هو الأصل في جميع أنحاء العالم الإسلامي، ولم تكن المرأة المغربية تعرف من اللباس سوى الحايك والنقاب، إلى أن جاء الاحتلال وعمل على تعرية المرأة ونشر الأفكار العلمانية المؤسسة لهذا السلوك المنحل من القيم والأخلاق، فقل الاحتشام وانتشر التعري وساد، حتى أضحى على الصورة التي نراه عليها في واقعنا اليوم.
وباتت دور الأزياء وصيحات الموضة تنسج لنسائنا كل ما يخدش الحياء ويفضي إلى التهتك، من الملابس الضيقة والعارية والقصيرة والمفتوحة، وأصبحت مجلات الأزياء وغيرها توجه المرأة بكل خبث إلى نوع ما ترتديه من ملابس في الصيف والخريف والشتاء والربيع، حتى غدت المرأة أسيرة أحدث الأزياء وآخر “الموديلات” التي فيها تشبه صارخ بالساقطات من نساء الغرب.
وتطور الأمر حتى صارت المرأة المغربية -التي كانت بالأمس القريب ترتدي النقاب والحايك- لا تستحي من التجرد من ملابسها على شواطئ البحار، ولا ترى هذا السلوك مثيرا للاشمئزاز والاستغراب، فصار هذا الفضاء الذي وهبنا الله إياه للاستمتاع والترويح والتفكر فضاء للتجرد والتهتك، وأصبح الزائر له يجد نفسه محاصراً بنساء عرايا، كل ما استطعنه هو ستر جزء من العورة المغلظة فقط.
لقد أشرف إعلام هدام على تأطير الانحراف الذي طرأ على لباس المرأة المسلمة في المغرب، إعلام يسوق لنموذج اللباس الغربي المخالف لديننا وهويتنا وثقافتنا وخصوصيتنا، إعلام يمطرنا كل يوم بوابل من الصور المخلة بالحياء والمخالفة للدين والقانون والعقل والفطرة، إعلام زين للمرأة المغربية الفاحشة، وأغراها بالتخلي عن لباسها للحاق بركب التنمية والتقدم والنهضة، وأنها لا تستطيع أن تواكب عصرها إلا إذا خلعت حجابها وداست عليه وتبرجت وكشفت مفاتنها وما أمر الله بستره، واختلطت بالرجال في ميادين أعمالهم، واتبعت الموضة الغربية بدعوى العصرنة والعولمة، ومفهوم القرية الواحدة، وأجادت فنون الرقص والغناء بدعوى الفن والثقافة، وتخلت عن حيائها وعفتها بدعوى الحرية والمساواة..
لقد تبرجت المرأة وكشفت عن مفاتنها، وتنكرت لزيها الشرعي ومع ذلك لم نسمع أن تطورًا قد حدث، أو مدنية قد ظهرت، أو صناعة قد نمت، أو نصرًا قد أحرز، فلماذا يصر دعاة النخاسة على ربط الحضارة والتقدم بتخلي المرأة عن حجابها وزيها الشرعي الذي أمرها الله بارتدائه؟
ولماذا يغضون الطرف عن خطر شيوع الجنس وعن العلاقة الجدلية بين شيوع العري والانحلال والانحراف في المجتمع وبين تأخر سن الزواج وشيوع العنوسة، فتزايد أي منهما يؤدي حتما إلى تزايد الآخر، وهي قسمة منطقية، فتزايد العري يسهل أبواب الفجور، وهو ما يؤدي إلى تناقص حالات الزواج، خاصة مع تفاقم الأزمات الاقتصادية التي يعاني منها مجتمعنا.
ولا يجب أن نغفل في هذا المقام ونحن نتحدث عن موضوع اللباس ما أصبحت ترتديه كثير من النساء تحت مسمى الحجاب، أو ما يسمى بالحجاب عصري، وهو لباس لا يستجيب للشروط الشرعية التي وضعها الشارع الحكيم للباس المرأة المسلمة، لأنه زينة في نفسه، ويصف ويشف عن كثير من مفاتن المرأة، وربما صارت المرأة بارتدائه أكثر إغراء وفتنة، وقد دفعها إلى هذا النوع من اللباس إكراهات المجتمع ومحاولتها إيجاد حل وسط بين امتثالها لأمر الله وقبولها في مجتمع ساده التغريب وطغت عليه المبادئ العلمانية، وزين في أعينها ذلك بعض المفتين في القنوات الفضائية.
إننا حين نقرأ كتاب الله تعالى نجد أمره سبحانه للنساء بالستر والعفاف واضحا وضوح الشمس في رائعة النهار، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لأََزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلاَبِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلاَ يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً} الأحزاب، “ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلاَ يُؤْذَيْنَ” أي ذلك أقرب أن يميَّزن بالستر والصيانة، فلا يُتعَرَّض لهن بمكروه أو أذى، وهذا من بركات لباس المرأة الشرعي، ويكفي أن نذكر المرأة التي ابتليت بالتكشف والتعري بجحيم التحرش الجنسي الذي تعيشه يوميا في الشارع والمؤسسة والإدارية جراء هذا السلوك المنحط.
ونحن إذ نفتح هذا الملف نفتحه لنسلط الضوء على الانحراف الخطير الذي طرأ على لباس المرأة المسلمة والمؤامرة الخبيثة التي حاكها لها عباد الشهوات ومن يبغون في الأرض فسادا، ولنبين كذلك أحكام لباس المرأة المسلمة مع محارمها وغيرهم.