زواج المتعة قراءة جديدة في ظل رواج الفاحشة زواج المتعة نظرة قرآنية 1\2 إلياس الهاني

تعالج هذه السلسلة مسألة فقهية ذات أبعاد متعددة، وتكتسي على المستوى الاجتماعي أهمية خطيرة وحادة، إنها مسألة «زواج المتعة» أو الزواج المؤقت كما يفضل الشيعة وأتباعهم تسميته.
وتذكر هذه المسألة أيضا ضمن مسائل العقيدة، وإن كانت بطبيعتها مسألة فقهية وذلك لأنها مما تميز به الفقه الشيعي، وانفرد بإباحته من جهة، بل اعتبروها شارة من شاراته وشعارا من شعاراته -كما سيأتي- فالمتعة إذن مسألة فقهية عقدية، فمن جهة موضوعها تنتسب إلى الفقه، وهي عقيدية لانعكاسات العقيدة الشيعية عليها، على أن لو نظرنا إليها من ناحية أخرى، ناحية الأسرة أو من الناحية الاجتماعية تكون بذلك من القضايا الاجتماعية الخطيرة.
وكان الذي أثار همتي، وبعث عزيمتي للتطرق لهذا الموضوع، الضجة التي افتعلها مؤخرا خريج دار الحديث الحسنية محمد ابن الأزرق الأنجري، بإصداره كتاب “زواج المتعة؛ قراءة جديدة في الفكر السني” ونشره عدة مقالات ب ذلك، مع ما يصاحب ذلك من الجهل الذي بدأ يتسرب إلى الكثير من المغاربة الذين ظلوا على الدوام منذ دخول الإسلام على مذهب أهل السنة والجماعة، ومع ظهور الثورة الإيرانية والإعلامية وبداية الاحتكاك مع الشيعة، لزم التعريف والتحذير منهم.
وقد أضحى اليوم (زواج المتعة) سفير التشيع وهذا مما يجب التنبه إليه، فقد أصبح من الوسائل التي ينفذون من خلالها إلى نفوس كثير من أهل السنة، لاسيما الشباب منهم، وخاصة في بلاد الغرب، وسبق ليومية «الصباح»[1] تقريرا بعنوان: «زواج المتعة يسقط المغربيات في شراك التشيع» حذرت فيه من استفحال الظاهرة بين صفوف المغربيات في بلاد المهجر، وطالبت فيه باتخاذ الخطوات الجادة لوقف هذا الأمر.
فكان أسلوب الحوار في هذه السلسلة التعرف والعرض دون عجلة في الرد، وبعيدا عن منطق الإلغاء ثم النظر في المستندات الدلالية، وما اعتمد في ذلك قبل الانتقال إلى دراسته ونقده، وبيان ما فيه.
قال تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ﴾ [آل عمران:7]، في هذه الآية يقسِّم الله -جل وعلا- آياتِ كتابه قسمين:
1- قسم منها محكَم لا اشتباه أو احتمال فيه، هو الأم والمرجع.
2- وقسم متشابه ذمَّ الله أتباعه واعتماده، كما قال إتمامًا على بداية الآية: ﴿فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ﴾ [آل عمران: 7].
وهذا معناه: أن الدليل إذا كان نصًّا متشابهًا لم يصلح أن يكون دليلاً، وأن الدليل الصالح للاعتماد هو النص المحكَم الواضح في دلالته[2]”، وفي هذا سنرى هل ما استدل به الشيعة هو من المحكَم الواضح أم من المتشابه المحتمل لعدة وجوه؟!
استدل فقهاء الشيعة الإمامية -ومن سار على منوالهم مثل صاحبنا ابن الأزرق- على صحةِ مذهبهم في متعة النساء بقوله سبحانه: ﴿وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا﴾ [النساء: 24].
عن أبي جعفر: “نزلت في نكاح المتعة[3]” ، ويقرر الحر العاملي أنها دليل على المتعة[4] ، وقال الموسوي: “حجتنا على اشتراعه قوله تعالى في سورة النساء: ﴿فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً﴾ [النساء: 24]؛ (إذ أجمع أهل البيت وأولياؤهم على نزولها في نكاح المتعة[5]”.
ويقول علي الميلاني: “هناك آية من القرآن الكريم يستدل بها على حلِّية المتعة وإباحتها في الشريعة الإسلامية، قوله تعالى: ﴿فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً﴾ [النساء:24]، (هذه الآية نص في حلِّية المتعة والنكاح المنقطع، النكاح المؤقت[6]”.
ويقول جعفر السبحاني -كما في موقعه الشخصي-: “والأصل في مشروعيته قوله سبحانه: ﴿فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً﴾ [النساء:24]، والآية ناظرة في نكاح المتعة”، وفي سؤال أحدهم على شبكة رافد الإلكترونية لحسن الجواهري عن أدلة مشروعية المتعة، قال: “إن القرآن الكريم شرَع المتعة بقوله سبحانه: ﴿فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً﴾ [النساء:24]، فيكفي في تشريعها ما ذكر من أن النبي صلى الله عليه وسلم أجازها للصحابة استنادًا إلى الآية القرآنية التي شرعتها”.
“إذا استعرضنا أدلة الشيعة التي اعتمدوها نجدها إجمالاً كالتالي:
بعدما ذكروا أن المتعة كانت ممارسة في صدر الإسلام، وذلك باتفاق المسلمين؛ إذ لم يختلف سوى في نسخها أو عدمه، ففي نظرهم قد شرع الله المتعة في القرآن الكريم، ومن أوضح ما جاء في ذلك قوله تعالى: ﴿فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ﴾ [النساء:24] إن هذه الآية جعلت الأجر مقابل متعة الرجل بالمرأة، وهذا لا ينطبق سوى على المتعة، خلافًا للزواج الآخر، ويسمى الدائم، فليس فيه أجرة مقابل التمتع؛ ولذلك جاء التعقيب هنا بالفاء ﴿فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ﴾ [النساء:24]، بينما في الزواج الدائم يخضع الأجر -المهر- للأعراف، فقد يدفع أولاً، وقد يعطى آخرًا، من هنا فلا يناسب أن تكون الآية خاصة بالزواج الدائم، وإنما هي تشريع للمتعة[7]” .
“ويشهد لذلك أن الله سبحانه قد أبان في أوائل السورة حكم النكاح الدائم بقوله عز وجل: ﴿فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ﴾ [النساء:3]، فلو كانت الآية في بيان (الدائم) أيضًا للزم التكرار في سورة واحدة، أما إذا كان لبيان المتعة فإنها تكون لبيان معنى جديد..
وسورة النساء قد اشتملت على بيان الأنكحة الإسلامية كلها؛ فالدائم ومِلك اليمين تبيَّنا بقوله تعالى: ﴿فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ﴾ [النساء:3]، (ونكاح الإماء مبيَّن بقوله تعالى: ﴿وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ﴾ [النساء:25] إلى أن قال: ﴿فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾ [النساء:25]، والمتعة مبيَّنة بآياتها هذه: ﴿فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ﴾ [النساء:25]”[7]، فهذه أدلة الشيعة الإمامية فيما ذهبوا إليه، وجماع الحجج مما اعتدوا عليه من القرآن.
إن الشيعة الإمامية لم يتفقوا على قول واحد في تفسير آية الاستمتاع، فقدموا القول الذي يفيد أنها نزلت في النكاح الصحيح الدائم، ثم ذكروا القول الثاني الذي يشير إلى أنها نزلت في المتعة، فلم يتفقوا على متعة النساء بهذه الآية، وإن كان أكثرهم يرجح أنها في المتعة؛ نصرة لمذهبهم، لكنهم لم يقولوا في ذلك قولاً واحدًا يحسم الخلاف:
أ- يقول الطبرسي في (مجمع البيان) تعقيبًا على قوله تعالى: ﴿فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ﴾ [النساء:24] قيل: المراد بالاستمتاع هنا درك البغية والمباشرة وقضاء الوطر من اللذة… عن الحسن ومجاهد وابن زيد والسدي، فمعناه على هذا: فما استمتعتم أو تلذذتم من النساء بالنكاح فآتوهن مهورهن، وقيل: المراد به نكاح المتعة”[8].
ب- وقال الطوسي: ﴿فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ﴾ [النساء:24] قال الحسن ومجاهد وابن زيد: هو النكاح!
وقال ابن عباس والسدي: هو المتعة إلى أجل مسمًّى، وهو مذهبنا”[9].
ج- ويقول عبدالله شبر: “قوله تعالى: ﴿فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ﴾ [النساء:24] (فمن تمتع به من المنكوحات، أو فما استمتعتم به منهن من جماع أو عقد عليهن”[10].
د- ويقول محمد المشهدي: “﴿فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ﴾ [النساء:24]، فمن تمتعتم به من المنكوحات، أو فما استمتعتم به منهن من جماع أو عقد عليهن”[11].
وللبحث بقية..
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] – جريدة الصباح 4250 يوم الاثنين 16\12\2013.
[2] – المنهج القرآني الفاصل بين أصول الحق وأصول الباطل” طه الديلمي ص:41.
[3] – “مسائل فقهية” لعبدالحسين شرف الدين ص:60، و”تهذيب الأحكام” للطوسي 7/250.
[4] – “مستدرك وسائل الشيعة” للحر العاملي 2/10.
[5] – “مسائل فقهية” ص69.
[6] – “المتعة” لعلي الميلاني ص13.
[7] – “زواج المتعة في الفقه الشيعي الإمامي” للزبير دحان ص37.
[8] – “مجمع البيان في تفسير القران” للفضل بن الحسن الطبرسي 5/71 دار مكتبة الحياة، بيروت – لبنان 1961م.
[9] – “التبيان في تفسير القرآن” لشيخ الطائفة أبي جعفر الطوسي 3/165 دار إحياء التراث العربي- بيروت لبنان.
[10] – “الجوهر الثمين في تفسير الكتاب المبين” لعبدالله شبر 2/31، مؤسسة تحقيقات ونشر معارف أهل البيت – إيران.
[11] – “كنز الدقائق” لمحمد المشهدي 2/414 مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين – قم – إيران.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *