الشرك في الألوهية

هو أكثر أنواع الشرك الثلاثة تفشيا؛ وله صور أهمها:

دعاء غير الله؛ ومنه: الاستعاذة والاستغاثة.
قال الله تعالى: {وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ} [المؤمنون/117].
وقال عز وجل: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} [الجن/18].
وقال سبحانه: {وَلاَ تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لاَ يَنْفَعُكَ وَلاَ يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ} [يونس/106].
“والمقصود من هذا الفرض تنبيه الناس على فظاعة عظم هذا الفعل حتى لو فعله أشرف المخلوقين لكان من الظالمين على حد قوله تعالى {ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك}” .
وفي الحديث الصحيح: “الدعاء هو العبادة”.
وتقدم أن الشرك هو صرف عبادة لغير الله سبحانه؛ فمن صرف الدعاء لغير الله فقد أشرك.
قال الله تعالى: {وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا} [الجن/6].
قال العلامة القرطبي: “ولا خفاء أن الاستعاذة بالجن دون الاستعاذة بالله كفر وشرك..”اهـ .

الذبح لغير الله
التوجه إلى شيء بالذبح نوع من العبادة يقال فيه ما قيل في سائر العبادات؛ من حرمة صرفها لغير الله؛ قال الله تعالى: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَر} [الكوثر/2]، وقال سبحانه: {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} [الأنعام/162، 163].
قال الإمام مالك في الموطأ (1/388) عن قول الله تعالى: {فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج}: “والفسوق الذبح للأنصاب والله أعلم؛ قال الله تبارك وتعالى: {أو فسقا أهل لغير الله به}”اهـ
قال العلامة محمد الأمين الشنقيطي: “الذبح على وجه القربة عبادة بالإجماع فقد قال تعالى: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} وقال تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ} الآية فمن صرف شيئاً من ذلك لغير الله فقد جعله شريكاً مع الله في هذه العبادة التي هي الذبح سواء كان نبياً أو ملكاً أو بناءً أو شجراً أو حجرً أو غير ذلك لا فرق في ذلك بين صالح وطالح” اهـ .

خوف السر والتوكل
ونحوهما من العبادات التي تتجسد في أنواع من السلوك؛ كتعليق التمائم والتولة:
عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه دخل على امرأته وفي عنقها شيء معقود فجذبه فقطعه ثم قال لقد أصبح آل عبد الله أغنياء عن أن يشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا؛ ثم قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن الرقى والتمائم والتولة شرك قالوا: يا أبا عبد الرحمن هذه الرقى والتمائم قد عرفناهما فما التولة قال شيء تصنعه النساء يتحببن إلى أزواجهن”. [رواه ابن حبان في صحيحه].
وفي الموطأ (2/937) عن مالك عن عبد الله بن أبي بكر عن عباد بن تميم أن أبا بشير الأنصاري أخبره أنه: كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره قال فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم رسولا؛ قال عبد الله بن أبي بكر حسبت أنه قال والناس في مقيلهم: “لا تبقين في رقبة بعير قلادة من وتر أو قلادة إلا قطعت”. قال يحيى: سمعت مالكا يقول أرى ذلك من العين.
أي: يعتقدون أن هذه القلائد والتمائم تدفع العين.
ومثلها اليوم: الكف التي يسميها المغاربة: (خميسة)، تعلق للأطفال وفي السيارات، وبعضهم يعلق حذوة القوس..
وهذه الأفعال أمارات تدل على التعلق بغير الله لدفع الشرور والأضرار؛ والله تعالى يقول: {وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}[المائدة/23].
ويقول: {أَمْ مَنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ} [النمل/62]
قال ابن عبد البر في تفسير التمائم: “التميمة في كلام العرب القلادة هذا أصلها في اللغة، ومعناها عند أهل العلم ما علق في الأعناق من القلائد خشية العين أو غيرها من أنواع البلاء” .
ولما سئل ابن العربي عما يتعلقه الناس من الأحراز والأحجار: ما قولكم فيها؟ قال: “روى أبو عيسى وغيره من حديث عبد الله بن عكيم أنه نزلت به حمى فقيل: ألا تعلق شيئا؟ قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: “من تعلق شيئا وكل إليه”، وذلك أن الجهال يزعمون أن في الجمادات والحيوانات خصائص من الوقاية وكلام أهل الإلحاد والصنارات، وذلك شرك..” .
وعن عقبة بن عامر أنه جاء في ركبٍ عشرةٍ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فبايع تسعة وأمسك عن رجل منهم، فقالوا: ما شأنه؟ فقال: “إن في عضده تميمة” فقطع الرجل التميمة فبايعه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: “من علق فقد أشرك” [رواه أحمد والحاكم].

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *