يقع السودان في شمال شرق القارة الأفريقية، وتزيد مساحته عن 2.5 مليون كيلومتر مربع، وتحيط به تسع دول، هي إريتريا وإثيوبيا وكينيا وأوغندا والكونغو الديمقراطية وجمهورية أفريقيا الوسطى وتشاد وليبيا ومصر، حيث تقع مصر وليبيا في الشمال، وتشاد وأفريقيا الوسطى من جهة الغرب، والكونغو وأوغندا وكينيا من جهة الجنوب، وإريتريا وإثيوبيا من جهة الجنوب الشرقي، كما يحاذي البحر الأحمر من جانبه الشرقي، وتمتد حدوده المحيطة به لمسافة تزيد عن 7600 كلم طولي.
وتغلب الطبيعة الصحراوية على الجزء الشمالي والشرقي من البلاد، في حين تغطي الغابات والمساحات الخضراء معظم أجزاء الجنوب الذي يحوي أيضا جزء من النفط والثروات الطبيعية.
ويتركز معظم سكان السودان البالغ عددهم 34 مليون نسمة في النصف الشمالي من البلاد عند ملتقى النيل الأبيض والنيل الأزرق.
وتتصف التركيبة السكانية في السودان بالتنوع العرقي والديني واللغوي، فهناك الزنوج والعرب والبيجا وغيرهم؛ حيث يمثل العرب 39%، والجنوبيون 30%، والغربيون 13%، 6% من كل من البيجا والنوبة، 3% من النوبيين والباقي من الأجانب وجنسيات أخرى.
أما من الناحية الدينية فالمسلمون السنة يشكلون 70% من إجمالي عدد السكان؛ أي حوالي 24 مليون نسمة، ومعظمهم يقطن شمال البلاد، والوثنيون والأحيائيون 25%، و5% نصارى يعيشون في العاصمة الخرطوم وفي جنوب البلاد.
وبالنسبة للغات فالعربية تعد اللغة الرسمية، وهناك لغات محلية سائدة كالنوبية وبعض اللغات المحلية واللغة الإنجليزية.
نبذة تاريخية عن دولة السودان
– الاحتلال الانجليزي
إذا كانت هناك مشكلة في العالم الإسلامي ففتش عن الإنجليز، هذه المقولة تنطبق تماماً على السودان الذي استعمر من قبل بريطانيا في نهاية القرن التاسع عشر، كما انطبقت على فلسطين وباكستان، وكل مشاكل الحدود بين دول العالم الإسلامي.. فالإنجليز لم يخرجوا من السودان إلا بعد أن تركوا فيها مشكلة قابلة للتفجر، لقد أقفلوا جنوب السودان عن شماله حتى يتعمق شعور الانفصال عند الجنوبيين، وإذا ما أردنا ونحن نسمع أنباء سقوط مدن الجنوب وتحريرها من حركة التمرد التي قادها الصليبي الهالك “جون قرنق” لا بد من العودة قليلاً إلى الوراء لنرى كيف بدأت هذه المشكلة، ولماذا؟
في عام 1898م احتل الإنجليز السودان وقد أدركوا للوهلة الأولى أن الصلة بين شمال السودان العربي المسلم وجنوبه الوثني سيؤدي آجلاً أو عاجلاً إلى انتشار الإسلام بين صفوف الوثنيين، ولذلك أقدم هذا المستعمر الذي عرف بخبثه وذكائه على عزل الجنوب، فعمد إلى تشكيل فرقة عسكرية من أهل الجنوب وإبعاد الجنود من أهل الشمال، ثم طردوا التجار الشماليين وقد صدر بذلك منشور رسمي يقضي بترحيل جميع التجار الشماليين باعتبارهم مسلمين ويخشى من تأثيرهم على أهل الجنوب، بل منعوا الجنوبيين من ارتداء ملابس أهل الشمال أو التكلم بلغتهم، والأسوأ من هذا كله هو منع الشماليين من الدخول للجنوب فأصبح السوداني الذي يرغب في زيارة الجنوب يحتاج إلى إذن من الحكومة، وقد صدر في هذا قانون المناطق المقفلة في عام 1930م وفيه أعطت المادة 22 للحاكم العام اعتبار الجنوب منطقة مقفلة سواء للسودانيين أو غيرهم، ومما جاء فيها: “يحرم على غير السودانيين باستثناء موظفي الحكومة في أثناء أدائهم للعمل والمسافرين العابرين, يحرم عليهم الدخول إلى مناطق معينة والتجارة فيها، ما لم يكن لديهم ترخيص من وزارة الداخلية أو محافظ المديرية المختصة. ويُمنع السودانيون أيضاً في حالات معينة من الدخول إلى هذه المناطق للتجارة فيها والمناطق المعنية بهذا المرسوم هي الاستوائية ومديرية بحر الغزال ومديرية أعالي النيل وبعض مناطق أخرى مثل جبال النوبة ومديرية النيل الأزرق”، مما حد من انتشار الإسلام في الجنوب، وفتح الباب على مصراعيه لبعثات التنصير والإرساليات النصرانية في جنوب السودان، والتي أتت من أمريكا واستراليا أوغندا وكينيا وإثيوبيا وغيرها، ووجدت فيها مرتعًا خصبًا للتنصير بسبب فقر السكان وجهلهم.
– وماذا بعد الاستقلال؟
عندما شكِّلت أول حكومة انتقالية برئاسة إسماعيل الأزهري بدأ أول تمرد في السودان عام 1955م، وذلك نتيجة الحقد الذي زرعه المستعمر في نفوس الجنوبيين، وفي عهد حكومة الفريق “إبراهيم عبود” استمرت الإرساليات النصرانية في بث روح الكراهية لأهل الشمال، فحاولت الحكومة الحد من نشاطها واعتقلت بعض القساوسة الذين ساهموا في كتابة المناشير المناوئة لحكومة السودان، وفي عام 1962م بدأت حركة تمرد بقيادة “ويليام دينغ” وذلك على أثر توقيع اتفاقية المياه مع مصر، واستمر هذا التمرد حتى عام 1965م عندما عقد مؤتمر المائدة المستديرة وانتهى بإعطاء الجنوب الحكم الذاتي في إطار سودان موحد، ثم كانت حركة التمرد الثانية بقيادة “جوزيف لاغو” واستمرت حتى عام 1972م وانتهت بتوقيع اتفاقية أديس أبابا في عهد جعفر نميري، وبسبب هذه الاتفاقية انفصل “جون قرنق” عن حركة “جوزيف لاغو” متهماً إياه بمسايرة الشماليين، واستمر “قرنق” في تمرده مستغلاً ضعف وميوعة الحكومات السودانية المتعاقبة ومستغلاً مشاكلها الاقتصادية والسياسية.
ومن أهم مطالب حركة التمرد -كما صرح أحد قادتها السابقين “لام كول” في مؤتمر كينيا الذي عقد برعاية الرئيس الأمريكي الأسبق “كارتر”-استبعاد الدين نهائياً عن الدولة، ومن الأهداف الرئيسية لبعض فصائل التمرد الانفصال التام للجنوب.
أما حركة التمرد التي قادها “جون قرنق” -صنيعة الكيان الصهيوني والولايات المتحدة- منذ عام 1983م فقد تجاوزت هذا إلى قضية تحرير السودان كله ليصبح دولة علمانية اشتراكية كما جاء في البند العشرين، الفصل السابع من دستور الحركة: (إن الجيش الشعبي لتحرير السودان يقاتل لتأسيس سودان اشتراكي موحد، وليس جنوب السودان منفصلاً)، كما جاء في البند الثاني والعشرين فقرة (ج): (إن قوة الجيش الشعبي ستنمو وتتعاظم لتصبح قوة تقليدية قادرة على تحطيم جيش السودان الرجعي) إذن الهدف الرئيس هو: ضرب الإسلام في السودان كله، وقد ساعد حركة التمرد نظام “منغستو” في أثيوبيا، بل إن جيش أثيوبيا ساعد “قرنق” في كثير من العمليات العسكرية، كما تلقى “قرنق” مساعدات من ألمانيا الشرقية وكوبا ودعم الغرب هذه الحركة، حتى إن وفداً من “الكونغرس” الأمريكي التقى بقادة حركة التمرد داخل الأراضي السودانية وبدون الحصول على تأشيرة دخول، وتدفقت المساعدات على “قرنق” من البوابات الجنوبية للسودان -مثل كينيا- كما قدم له الدعم المعنوي بالإعلام الذي يتكلم عن اضطهاد الجنوبيين إلى آخر هذه النغمة التي يتقنها الغرب.
ودعم الكيان الصهيوني هذه الحركة، وزار “قرنق” “إسرائيل” عدة مرات، كما نشط مجلس الكنائس العالمي بمساعداته وإرسالياته، ومع هذا الدعم فقد كانت الحكومات السودانية التي تواجه “قرنق” ضعيفة، فقد سقط نظام نميري، ولم تسقط مدينة واحدة من مدن الجنوب في يد الحكومة السودانية واحتل المتمردون أكثر من عشر مدن مثل إبور ومنقلا وتوريت ونواط. وفي عهد الصادق المهدي ذهب وفد الحكومة إلى أديس أبابا ليوقع اتفاقية مع “قرنق” وكان من شروطها إلغاء تطبيق الشريعة الإسلامية.