عرف يوم الإثنين 6/5/2013م اتفاقا بين جماعة من البرلمانيين ووزير الأوقاف، في جلسة الأسئلة الشفوية، ختم بتصفيق الرضا والابتهاج، على تعليق فتوى حول سؤال متعلق برأي الشرع في المرتد، وجه إلى المجلس العلمي الأعلى منذ سنة 2008 كما قال الوزير، وارتأى المسيرون للمجلس إصدار الجواب في خضم الكلام عن الطعن في صحة نسب الشرفاء الأدارسة بالمغرب، وإلحاق صفة الإرهاب بالرسول الكريم عليه الصلاة والسلام.
من غير أن يجد ذلك بالمجلس من يغضب؛ لرسول المسلمين عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم، ولا لعرض الأشراف الذين منهم من هو في البرلمان، ولا مثلما وجد المرتد المفترض من يسفه لجنة الفتوى من البرلمانيين، مطالبا الوزير بتوضيح ما اعتبره خرقا سافرا للدستور، وتجاوزا من المجلس العلمي للحرية الفردية، وحقوق الإنسان.
فأجاب الوزير بأن ذلك مجرد رأي، ولكن لما قيل له بأنه مندرج تحت عنوان فتاوي، أجاب بأن الفتوى المعتبرة هي المتساوقة مع السياسة المتبعة، بمعنى أن هيأة الإفتاء يكفيها اسمها، بل إن برلمانيين أطمعهما جواب الوزير، فقاما بالإفتاء بعدم صحة الفتوى، لذلك وجب تعليقها، فوافق الوزير وتم التصفيق، وتحقق الغرض من السؤال، وهو نزع صفة قصر الفتوى على ذلك المجلس، وإهدار شأنها بين النافذين، ومن بينهم البرلمانيين المتصدين للفتوى موضع السؤال، مما دفعني لكتابة هذا المقال لمن يهمه مراقبة صدق كلام النواب وزيفه، خاصة من نصب نفسه لتعليم الصواب وتصحيح الخطأ.
المرتد ابن عبد الجليل
قال أحد النائبين بأن المرتد ابن عبد الجليل، الذي كان فخر السياسة الاستعمارية الداعية لتنصير المغاربة في مطلع القرن الماضي، لم يتصد له أحد، ولا أفتي فيه، ولا ولا، وهو كلام عار عن الصحة، وإنما الحقيقة هي أن ارتداده كان عاملا حاسما في فضح تلك السياسة الاستعمارية، وتوحيد جهود المغاربة في محاربتها انطلاقا من أسرة المرتد الذي طردته وتبرأ أبوه منه، وتناولته الأقلام والمجالس والمنتديات بما هو أهل له، وكان دليل من لم يكن له دليل على نوايا فرنسا في المغرب، فهرب إلى فرنسا، وبقي هناك إلى أن مات، ولولا الإطالة لدللنا على ما قلنا.
العكاكزة في فتوى الإمام اليوسي
قال البرلماني ساخرا من لجنة الفتوى، بأن الإمام لم يقل بحد قتل العكاكزة المرتدين حسب زعمه، وعلى منهجي لن أناقشه، وإنما أقدم له ما يلي:
1- تعريف العكاكزة: العكاكزة صنفوا خارج السنة، وبادر العلماء المصلحون إلى معارضتها، وحذروا الناس من انطلاء ناموسها، وأغروا ولاة الأمر بمكافحتها.
2- امتحنهم السلطان الوطاسي المعروف بالبرتغالي سنة 1505م، وكذلك فعل السلطان الغالب بالله السعدي سنة 1557م، وبادر السلطان المولى الرشيد سنة 1670م إلى استفتاء العلماء في قضيتهم، وهم قاضي الجماعة بفاس محمد المجاصي (ت 1691)، وعبد المالك التاجموعتي (ت 1707)، والإمام الحسين بن مسعود اليوسي (ت 1690) الذي حرر فيهم فتواه الشهيرة بـ”رسالة العكاكزة”.
واتفق التاجموعتي واليوسي على القول بزندقتهم، وقال المجاصي بردتهم، فنفذ السلطان حكمه، وكذلك فعل المولى إسماعيل. (انظر المعلمة (18/6116)).
فتوى الإمام اليوسي
يقول الإمام اليوسي في فتواه: “أما بعد: فإن الطائفة الضالة المتلقبة في غربنا هذا بالعكازين، قد ظهر خبثهم وعوارهم، وبلغت جرأتهم على الله الداني والقاصي، فتعين على ولي الأمر وهو سيدنا السلطان أن ينهض انتهاضا تاما في إطفاء الشر الفظيع، وتغيير هذا المنكر الشنيع، غير أن هؤلاء الضالين لاختلاطهم بالمسلمين، وانغماسهم في غمار المومنين، لا بد أن يبالغ فيهم بالفحص والاستخلاص، حتى لا يؤخذ بريء بفاجر، أو يقتل مسلم بكافر، فيوجه سيدنا أهل البصيرة والمعرفة والديانة، أو يلزم المتقلدين من الحكام، أن يستخلصوا هؤلاء المردة الفجرة من خلل القبائل، فرادى وجماعات، فمن أثبتت البينة عليه الكفر إما بنسبة الألوهية لغير الله؛ والنبوة اليوم والشريعة لغير نبينا محمد عليه السلام؛ أو جحد شيئا مما علم من الدين بالضرورة؛ أو استهزأ بالشريعة أو غير ذلك مما يكفر به، فإن كان ذلك على وجه الزندقة فحكمه أن يقتل، ولا تقبل توبته، وإن كان على وجه الردة فحكمه أن يستتاب ثلاثا، فإن تاب وإلا قتل. (أنظر رسائل اليوسي (ص:274 وما بعدها)).
ماذا بقي لأعضاء المجلس العلمي الأعلى؟
بعد هذا التبخيس الذي طال فتوى افتراضية لا أمر فيها ولا إكراه، وإنما سؤالها جاء في إطار البحث عن ذريعة لتكميم أفواه العلماء، وتحقير مقرراتهم، وإظهارهم أمام الرأي العام في شكل لا يليق بأمثالهم، ممن حافظوا للأمة على ثوابتها بكل الوسائل، عمادهم الصدق في القول والإخلاص في العمل، لا يضرهم من ضل، أو بدل دينه بدنياه.
حتى ينشغلوا بقضيتهم عن النظر في الطعن في أنساب شرفاء المغرب الأدارسة، أمازيغي اللسان وحسانيه وعربييه، حيهم وميتهم، في هجمة غير مسبوقة على الأسرة المغربية ومكونها الأساسي، الزواج؛ الميثاق الغليظ الذي يضمن كرامة مكونيها الرجل والمرأة، وشرف انتساب الأبناء وفخرهم، وإلصاق تهمة الإرهاب بخير البرية عليه السلام في رسائله التي تحمل البشرى لكل من أرسلت إليه من ملوك وحكام الأرض.
ولست أدري كيف غاب ذلك عن منظري تقويض المجتمع المغربي من المعمرين، وكبيرهم “اليوطي” الذي التمس من الشرفاء الأدارسة الدعاء له في مرضه، بالرغم من أن أولئك المنظرين ناصبوا العداء للإسلام وعلمائه قبل أن يغزوا المغرب وعند غزوه، كما بينا في مقالات سابقة.
جاء في المعيار الجديد (12/160) بخصوص الطعن في النسب، قول مصنفه رحمه الله: “من تشارر مع شريف فقال له لعن الله الشرف الذي تنتسب إليه، يصفد في الحديد ويضيق عليه، فإن ثبت قوله بما لا مدفع فيه؛ ضربت عنقه، وإن لم يثبت ذلك عليه؛ ضرب بالسوط على قدر ما يفهم من سفهه وقلة دينه” اهـ.
تلك أقوال فقهاء أوردناها لإعطاء البرلماني الذي قال: بأن علماء المغرب لم يتطرقوا للمسألة؛ من باب التذكير لا المحاججة ولا تبني ما جاء فيها، أو معاكستها بشكل أو بآخر، لأن ذلك ليس مجاله الآن، إنما فقط لإبراز حقائق جهلها من جهلها، وتجاهلها من أراد ذلك لحاجة في نفسه لن يبلغها بحول الله، ذلك أن بلوى سبّ الدين والربّ والشرف والشرفاء صار مرضا لسانيا لا يسلم منه قاموس الناس في المنازل والأسواق والمدارس، دون أن يحرك شعورا أو يثير استنكارا من كثرة ما عمت به البلوى، وضاعت معه القيم، ولم يعد الناس يبالون بنسب أو دين أو خلق، مما يستوجب التنبه إلى أن مجتمعا لا أطر أخلاقية له، لا يمكن أن يعيش متماسكا متسامحا متساكنا، ولكنه عمى الأهواء يجعل الناس يدمر بعضهم بعضا من غير أن يشعروا.
وأخيرا: أقول ما قال من وجد نفسه في مقام من اضطر للقول في ما عمت به البلوى من تصدر من لا يعرف، لنشر ما لا يشرف:
وما عن رضا كان الحمار مطيتي — ولكن من يسير سيرضى بما يركب