سياسة إنتاج الجريمة مصطفى محمد الحسناوي

استفاقت ساكنة…على جريمة بشعة راحت ضحيتها أسرة كاملة..
عصابة مكونة من 20 فردا مدججين بالسيوف والهراوات تزرع الرعب وسط سكان…
شهدت أزقة حي… مواجهة دامية بين عصابتين.
شاب يغتصب فتاة ويذبحها من الوريد إلى الوريد..
مراهق يجهز على أمه..
بطريقة هوليودية مجموعة شبان يختطفون فتاة ويغتصبوها بطريقة وحشية..
تزايد باعة القرقوبي والمخدرات والخمور بشكل يهدد سلامة وأمن ساكنة…
انتحار طفل بعد مشاهدته لمسلسل مدبلج..
فتاة تحمل من أخيها بمدينة…
مراهق يجهز على أمه..
سرقة.. سطو.. قتل.. حرق.. ذبح.. اغتصاب.. اتجار في المخدرات والخمور.. انتشار مهول للأسلحة البيضاء..
عناوين لا تخلو منها جريدة يومية كل يوم، وواقع لا تخلو منه حادثة مماثلة أو أبشع وما خفي كان أعظم، لدرجة جعلت وزير الداخلية يتنقل بين عدد من المدن بالتزامن مع إعداد وزارته خريطة طريق لإعادة الأمن المفقود في بلادنا.
لكن هل الأمر يعني وزارة الداخلية وحدها؟
هل تحل هذه المعضلة بنصب الكاميرات في الشوارع ومحيطات المؤسسات والوزارات؟
هل تنفع زيارة يقوم بها الوزير لإيقاف هذه الحرب المستنزفة؟
هل هناك رؤية واستراتيجية لمعالجة الظاهرة من كل جوانبها؟
أم أن التفرج على هذا الوضع المتردي واختيار سياسة النعامة هو أسهل حل؟
أو القيام بدور الإطفائي في أحسن الحالات، وهي استراتيجية تعالج الأعراض ولا تنفذ لعمق المشكلة.
لا نجانب الصواب إن قلنا أن الدولة سلكت سياسة إنتاج الجريمة وحمايتها ورعايتها، على مستوى إنتاج أسبابها ودوافعها، أو على مستوى تهيئ ظروفها ومحاضنها، أو على مستوى إقصاء وإبعاد علاجها.
يزداد الطفل في أسرة أمية جاهلة وفقيرة، لا تكلف الدولة نفسها عناء الرفع من مستواها المعرفي والاقتصادي لمساعدتها في إخراج أجيال منتجة ونافعة لأمتها.
يترعرع في بيئة من الإجرام والفساد بشتى أنواعه، ففي البيت إعلام مميع يخاطب الغرائز والشهوات، يتربى معه الطفل على مشاهد العري وثقافة الانحلال، دون وازع ولا رادع، وإن كان في وسط شعبي فقير، فإن “الجرابة” و”البزناسة”و”الشمكارة”، هم من يؤثثون فضاءه، وهم من يلعب دور البطولة خاصة إن راجت عنهم قصص التحدي والمواجهة، وإن كان في وسط راق فإن مظاهر أخرى تربيه على التمرد والانطلاق وعدم اعتبار أي خلق أو فضيلة، فيرى حفلات المجون والرقص والسهر والتعاطي لكل أشكال الممنوعات والمحرمات.
التعليم لا ينتج إلا أشخاصا بدون هوية وبدون هدف، والأجواء داخل المؤسسات التعليمية أشبه بمعسكرات للتدريب على الفساد والجريمة، فمن العنف المدرسي إلى التعاطي للمخدرات إلى التحرش الجنسي والزنا والعلاقات المحرمة، وقد تدخل الأطر التربوية طرفا مشاركا في العملية.
بعد أن ينضج الشاب في الأجواء التي ذكرنا، ويتعرض لكل أشكال التهييج والاستفزاز والإغراء، يجد أمامه إعلام وشواطئ ومسابح بل شوارع وطرقات ومؤسسات ملأى بالعري الفاضح الذي يصيب بالسعار الجنسي، ويجد أمامه كل وسائل الإسكار والتخدير ميسرة سهلة قريبة، إن في السوق السوداء، أو في المحلات الراقية المرخصة، وكل شيء يتم تحت أعين السلطات؛ بل قد تشارك في عملية التنظيم لطوابير الزبائن؛ أو غض الطرف على الأقل، إن لم يكن للمسؤول في القطاع أو الدائرة الفلانية يد أو نصيب مع هذا المروج أو ذاك.
ثم إن دور الداعية والعالم مغيب، وهو مقيد ببرنامج تعده الدولة لخدمة أهداف ومصالح أخرى، ليس من ضمنها هموم المواطن ومصالحه وتأطيره، والخطاب الديني محاصر وموجه.
وفي غياب أي تربية أو وازع من دين أو خلق أو مروءة، وفي ظل تدني القيم وسيادة المادة، قد يعتبر الشاب أن غاية المنى وقمة السعادة أن يحتسي قنينة خمر ويحصل على فتاة ويركب سيارة فارهة، فيسلك لذلك كل السبل، من سرقة وسطو وتهديد بالسلاح واختطاف واغتصاب وتعاطي للمخدرات والمسكرات وقد يقترفها جملة واحدة، وهكذا يمكن لشخص واحد أن يقوم بأربع أو خمس جرائم في يوم واحد، نتيجة هذا الواقع الذي لا يشجع على الانضباط والانقياد لأي خطاب توعوي أو إصلاحي أو زجري.
وفي الوقت الذي نرى أن الدولة بمؤسساتها وأجهزتها، تنزل بثقلها في المواضيع والقضايا التي تخدم دوائر ومراكز النفوذ فيها، فتجيش لذلك كل الإمكانات والوسائل والموارد لإنجاح فكرة أو مشروع، آخرها التجييش الذي حصل بخصوص شغب الملاعب، وتوفير الإمكانيات المادية المهمة لمهرجانات وتظاهرات لا تستحق، نراها لا تتعامل بنفس الحزم ولا تبذل نفس المجهود للقضاء على الظاهرة ومحاصرتها.
ففي إحصائية قديمة نوعا ما تعود لسنة 2008، نجد أن الدولة خصصت 700 مليون درهم فقط لمواجهة الجريمة لسنتي 2007 و 2008، ويمكن مقارنة الرقم مع راتب مدرب المنتخب الوطني مثلا، أو ميزانية مهرجان موازين!!
أفلا يستحق أمننا تجييشا مماثلا؟ وإمكانيات مماثلة؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *