جريدة “نيشان” تؤكد مقولة “بول سارتر” د. الحضري لطفي أخصائي في علم النفس التواصلي

تتوالى الضربات على الإسلام من الأعداء، فلا يهمنا أمرهم لأن العدوبطبيعة الخلاف يحاول جاهدا أن ينتصر، على المستوى العسكري والفكري والحضاري، هادفا التشكيك في دينك وعقيدتك.
ولكن الذي يحز في نفوسنا والذي له بالغ الأثر على مجتمعنا الإسلامي أن تأتي الضربات والتشكيكات من أبناء جلدتنا، هذا هوالخطر البليغ، وخاصة إذا كان من هؤلاء من لهم تأثير على الثقافة والفكر، ومن لهم أقلام وصحف ومنابر إعلامية تدخل البيوت والعقول. وما نراه من تغيير في أخلاقيات وسلوكيات المجتمع المغربي إلا دليل على تأثير هذه المنابر على أبناء وبنات المسلمين.
أقرأ في الصحف المغربية وخاصة منها “جريدة الأحداث”، أي التي تحدث أكاذيب ومزاعم، ومن عجب الصدف أن اسم الأحداث هومشتق من لفظ “الحدث” والذي يعني الذهاب إلى المرحاض حيث تدخل الجريدة وبهذا الاسم في هذه الحظيرة. ويذهب بالمناسبة العديد من المتخصصين في علم النفس إلى ربط هدف مؤسسة ما بالاسم الذي تختار لنفسها، وفي جريدة الأحداث خير دليل على هذا.
المؤسف له أن مثقفينا “رجعيون” فهم يعيدوا لنا ما أفرزته الثقافة المصرية منذ الستينات من أقلام علي عبد الرازق وطه حسين وقاسم أمين وطهطاوي وسلامة موسى وميشل عفلق وشلبي شميل وأديب إسحاق وجورج حبش وجرج زيدان وغيرهم، فنحن مازلنا نعيش مرحلة الطفولة على هذا المستوى حيث تجاوزوا هم هذه الترهات في مصر وخرج منها المجتمع الإسلامي المصري بإيمان أقوى وجازم في عقيدته ودينه.
وإني في هذا المقال لم أجد بدا من طرح وربط أقلام هؤلاء بتصريحات “بول سارتر” بل وجدت ما يقول حقيقة مرة، صفعتني وأنا أقرأها ولكن بينت لي حقيقة الهرج الذي يوقعه أبناء جلدتنا، حيث وجدت مقالات هؤلاء تخدم بالحرف ما قاله “سارتر” وإن كنت قبل قراءتي لهذا المقال أشكك في العمالة الحضارية لأبناء جلدتنا. ولكن أن تأتي مقولة “سارتر” تبين لنا وجه هذه العمالة بالصوت والصورة لم يبق شك في القول على هؤلاء أن يعيدوا صياغة مفاهيمهم وأن لا ينساقوا وراء ألاعيب من يستغلهم ويجعلهم كراكيز مصالحهم فإن استوفوا منهم مرادهم فعلوا بهم ما فعلوا بصدام حسين ممثل اللائكية في العالم العربي الإسلامي.
يظهر هذا بجلاء حقيقة ممارسات بعض مثقفينا وحقيقة مرجعية بعض جرائدنا “المغربية”، ومن الوجهة الإيجابية يمكن أن تكون لمقولة “سارتر” الوقع المقرع الذي يدفع هؤلاء إلى معرفة وضعهم على رقعة الشطرنج ليحاولوا الخروج من الرقعة ليصبحوا مؤثرين في قرارات هذه اللعبة من الخارج لا أن يكونوا بيادق لغيرهم.
وتأتي جريدة “نيشان” محاولة تسفيه معتقدات المجتمع المغربي، بإدراج نكات وقحة، بالطريقة المعهودة في هذه الجرائد من تدليس وتغيير للمفاهيم، بحيث تقول أنها لا تفعل إلا نشر ما يقوله البعض في الرصيف. وهذا مما يزيد الطين بلة، إذ هي تصبح غير واعية بدورها الهدام في تقويض معتقدات أبناء هذا المجتمع، ومن ثم تصبح آلة في يد أسيادها تسخر حيث شاءوا، ومن هذا التسخير محاولتهم تسميم شخصية الصحابة وشخصية الرسول صلى الله عليه وسلم وصورة الله عز وجل في ذهن وعاطفة المغاربة.
يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه”، إن الرسول يربط العقيدة بحبه، وهل مَن نحبه نمس شخصيتة بنكت قاذعة، من يسمح بالتنكيت على أمه وعلى أبيه بل إني أتساءل كيف يسمح “وكلاء الملك” بأن ينكت على شخصية الملك وأيضا على شخصية الملك الراحل وقد أفضى إلى ربه، ويقول الرسول عليه الصلاة والسلام: “أذكروا أمواتكم بخير”، أين هو هذا الخير في التنكيت على ملك حي وعلى ملك متوفى، لا أجد وقاحة بعد هذه الوقاحة.
بلغ السيل الزبى في ما تقرعه أذاننا بعض المجالات، ونحن ندعوا وكلاء الملك أن يتحملوا مسؤوليتهم في الدفاع عن بلد يحكمه أمير للمؤمنين هو حامي الملة والدين، والذي وضع في “وكلائه” كل الصلاحيات للدفاع عن الملة والدين.
فتأمل وتفحص مقولة “بول سارتر” ثم أتبعها بترهات ما جاء في الجريدة التي تحدث وجريدة “نيشان”.
يقول “بول سارتر”: “كنا نحضر رؤساء القبائل وأولاد الأشراف والأثرياء من إفريقيا وآسيا، ونطوف بهم بضعة أيام في “أمستردام” و”لندن” و”النرويج” و”بلجيكا” و”باريس”، فتتغير ملابسهم، ويلتقطون بعض أنماط العلاقات الاجتماعية الجديدة، ويتعلمون منا طريقة جديدة في الرواح والغدو، ويتعلمون لغتنا، وأساليب رقصنا وركوب عرباتنا، وكنا ندبر لبعضهم -أحيانا- زيجات أوروبيات، ثم نلقنهم أسلوب الحياة الغربية.. كنا نضع في أعماق قلوبهم الرغبة في أوروبا، ثم نرسلهم إلى بلادهم، أي بلاد؟ بلاد من كانت أبوابهم مغلقة دائما في وجوهنا، ولم نكن نجد منفذا إليها، كنا بالنسبة لهم رجسا ونجسا، ولكن منذ أن أرسلنا المفكرين الذين صنعناهم إلى بلادهم كنا نصيح من “أمستردام”، أو”باريس”، أو”برلين”: (الإخاء البشري)، فيرتد رجع أصواتهم من أقاصي إفريقيا، أوالشرق الأوسط أوشمال إفريقيا، كنا نقول: ليحل المذهب الإنساني أو دين الإنسانية، محل الأديان المختلفة، وكانوا يرددون أصواتنا هذه من أفواههم، وحين نصمت يصمتون، إلا أننا كنا واثقين من أن هؤلاء المفكرين لا يملكون كلمة واحدة يقولونها غير ما وضعنا في أفواههم. (1)
أما في تلك الجريدة التي ما فتئت تحدث، فإني اخترت ما جاء فيها من مقال نشر في العدد 2790 ليوم 21/09/2006 بعنوان “الإسلام بين لمسات التجميل ومبضع الجراح”، لملوم أبو رغيف، حيث يقول “لم يجد رجال الدين المسلمين ما يردون فيه على البابا، الذي طرح رأيا شخصيا لا يلزم أحدا، فهم يعرفون أن ما قاله لا يبتعد كثيرا عن الحقيقة..”.. ” … فالمعارك الإسلامية تسمى غزوات والحروب الإسلامية تسمى الزحف والفتح المبين، والأسلاب والغنائم تسمى أنفال”… “لا يستطيع علماء المسلمين الرد، ليس لأنهم عاجزون عن ذلك، بل لأن ذلك بعض من حقيقتهم، “فهل يتفضل فطاحل المسلمين وعلماؤهم وخبراء تاريخهم أن يفسروا لنا أسباب هذا الإعصار الدموي الإسلامي الذي يلف الناس بدوامته الدموية في كل القارات”… “الإسلام لا يحتاج إلى مواد تجميل بل إلى مبضع جراح يستأصل كل ما في داخله من تشويه وقبح ويقطع الغدد السامة التي تغدي الإرهاب والعنف حتى ولو كانت مقدسة”.
… ألا يصيح هذا من حيث صاح البابا رئيس الكنيسة.
…ألا تصيح جريدة “نيشان” من حيث صاحت الجرائد الدنمركية.
الحقيقة الواحدة هو أن أبناء “سارتر” ما زالوا يلعبون الشطرنج بأبناء هذا الوطن. أقول لأبناء جلدتنا أتريدون أن تكونوا “صياحا” من حيث صاح “سارتر” و”البابا” والقس الأمريكي أم تريدون أن تكونوا دعاة بدعوة الله ورسوله، لك حق الاختيار في هذه الدنيا، ولكن اعلم أنك ستقول يوم القيامة “يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيهْ”.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1] – العلمانية، النشأة و الأثر، زكريا فايد، ص10

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *