لماذا اخترنا الملف؟

بات مشتهرا عن الفئة العلمانية من خلال ما ينشره ويصرح به منظروها ومفكروها أنهم لا يعيرون أي اهتمام للثوابت الدينية؛ بل من شرط السلوك عندهم والقبول في الطريقة العلمانية التنكر للثوابت الدينية ونبذها والتعرض لها والتشكيك فيها وفي مصادرها؛ فهذا هو ما يشكل منطلق الحداثة في العالم العربي بالنسبة لهم.

ومن ضمن الأصول التي بنى عليها أدونيس -التي تحتفي به دوما المنابر العلمانية ومن ضمنها جريدة الأحداث- نظرته إلى الحداثة: نظرية التطوير المطلق التي نقلها من فكر هيجل في دعوته إلى إلغاء الثوابت؛ ومهاجمة منهج الثبات والقيم وإطلاق اسم السلفية عليه، وعدم الانتماء لأي قيم أو منهج، والتمرد على كل الثوابت وفي مقدمتها الدين والأخلاق.
والعلمانيون لهم ثوابت كغيرها من الدعوات الأخرى لكنها نقيض الثوابت الدينية للمسلمين؛ وهم لا يأخذون من الدين إلا ما يخدم مذهبهم؛ ويمتطون على انحرافات الطوائف الضالة كالمعتزلة والخوارج والشيعة للتسويق لأيدلوجياتهم؛ وقد اعتبر العلماني العفيف الأخضر كما نقلت قوله يومية الأحداث أن “العلمانية تشكل إعادة اتصال بأفضل ما في جذورنا الثقافية مثل العقل الاعتزالي والفلسفي الذين أخضعا النص المؤسس للتأويل العقلي؛ والإسلام الصوفي والدرزي اللذين حققا اختراقا لا نظير له في العصور الوسطى: إلغاء شرعية العقوبات البدنية والفصل بين الدين والحكم”. (العفيف الأخضر؛ قدر العلمانية في العالم العربي ص:14-15).
والمتتبع لأقوال العلمانيين عموما يرى أنهم لا يرضون ببناء علمانيتهم مع وجود آثار للدين في القلوب، ولكن يرومون تحطيم الدين أولا وحصره في اختيارات فردية فقط ومنعه من التدخل في أي من مجالات الحياة؛ ثم بناء الهيكل العلماني دون خوف من التهديد الإسلامي للعلمانية في المستقبل.
وعليه فقد رأوا أن نشر العلمانية في قطاعات واسعة من المسلمين لا بد له من تغيير أسس الفكر والعقلية الإسلامية، وهو ما يعبرون عنه بـ(هدم القديم)، وفي سبيل ذلك الهدم كانت جهودهم تصب في اتجاهات مختلفة كلها تستهدف مجال الشريعة وما يدور في فلكها.
وفي هذا الإطار جاء هجوم يومية “الأحداث المغربية” على بعض المطبوعات في المجال الشرعي وسمتها بـ”التكفيرية التي تفلت من الرقابة”؛ وسلكت في تحقيقها نفس الأسلوب الذي اعتدناه منها أثناء تعرضها لقضايا شرعية وفكرية من قبيل الحجاب والنقاب والإرث والتطرف والإرهاب..
فلا يستغرب أبدا أن تصدر مثل هاته التهم عن منبر إعلامي علماني حاقد؛ منبر يسعى إلى تطبيع الشذوذ والدفاع عن البغاء والعري ونشر آلاف الصور الخليعة (ملحق من القلب إلى القلب، بانوراما، الموعد الفني، العدد الأسبوعي..) التي تخالف الدين والقانون، وتشجيع السينما التي تطبع الجنس، ونشر أخبار ومغامرات مشاهير الفن، وتقديمهن كقدوات للمرأة المغربية (ع: 3215)، ورمي كل من استنكر تلك الأفعال القبيحة بالتطرف والأصولية!
إنه فعلا زمن النفاق الإعلامي والفكري وزمن التناقضات وتقلب المواقف بين لحظة وأخرى؛ فالمنابر العلمانية عامة تدعو صباح مساء إلى الحرية الفردية وإلى ضرورة رفع الرقابة القانونية على المقالات والكتب والمنشورات بصفة عامة؛ لأن الجمهور بحسب مرجعيتها “ناضج بما فيه الكفاية كي يحكم بنفسه على قيمة الكتابات التي نرغب في منعه من قراءتها”!
هذا ديدنهم؛ حتى أن المقلب لصفحات جرائدهم ومجلاتهم وغيرها من منابرهم الإعلامية الأخرى يستحيل ألا تمرر إليه مثل هاته الأفكار هذا إن لم تصبه بالتخمة.
وحتى نجلي الصورة أكثر ونبين بالحجة والبرهان موقف العلمانيين من الدين عموما ومن الثوابت والقيم والأخلاق ارتأت جريدة السبيل فتح هذا الملف.
نبيل غزال

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *