الأقليات وحرية التعبير عن الخصوصيات

لا يكاد يعثر الباحث في التراث الإسلامي على استخدام للفظ الأقلية في المعنى المستخدم فيه اليوم، لكن هذا لا يعني أنه لم تكن هناك أقليات في الدولة الإسلامية، أو أنه لم تتم دراسة الأقليات في الفقه الإسلامي، بل كانت هناك في الواقع أقليات ببعض المعاني الموجودة اليوم، كما تمت دراسة أوضاع تلك الأقليات والأحكام المتعلقة بها ولكن تحت أسماء أخرى هي أوفق وأدل على المقصود من لفظ الأقليات، وقد تعامل الإسلام مع ظاهرة الأقلية انطلاقا من شرعه المشبع بالعدل والإحسان فنتج من ذلك الخير والاستقرار للدولة وللأقلية في آن واحد.
فدولة الإسلام دولة عقدية من واجباتها حراسة الدين وسياسة الدنيا به، ولا تقتصر مهمتها على توفير رغيف الخبز كما يقال، أو حتى تحقيق رفاهية الشعب وجعله يحيا حياة رغيدة فقط، لذلك فإن قضية حرية التعبير عن الخصوصيات الدينية أو العقدية لا بد أن ينظر إليها من خلال هذا المنظار.
لكن هذه المسألة ينظر إليها بعض الناس من خلال منظار غير صحيح، إذ يرون أن من هذه الحرية أن تتمتع الأقليات الدينية بحرية الدعوة إلى عقائدها بين الأكثرية، وهذا لا شك تصور فيه مغالطة كبيرة، إذ ما علاقة حرية الأقليات في التعبير عن خصوصياتها بنشر ذلك بين الأكثرية، بل هذا فيه تعدٍ كبير على حقوق الأكثرية، بل إنه مدعاة للتهييج والاحتراب الداخلي، إذ أن الأكثرية وهي وارثة الدين الحق لا يمكن أن تقبل بمحاولة الأقليات الضالة بنشر ضلالها بين المسلمين، فكان السماح لهم بالقيام بذلك من أحد أهم أسباب عدم الاستقرار في المجتمع، وكان منعهم من ذلك إضافة إلى أنه واجب شرعي مدعاة للاستقرار وحفاظا على تلك الأقلية من غضبة الأكثرية.
ومن العجب أن الأكثرية لو دعت بين الأقلية لنشر دينها لعدوا ذلك من التعدي على حقوق الأقليات مع أن دعوة المسلمين الأقليات الدينية إلى اعتناق الإسلام هو دعوة إلى الدين الصحيح الذي يحبه الله ويرضاه، ودعوة المسلمين لغيرهم هي في الحقيقة من قبيل الخير والمعروف الذي يقدمونه لهداية الضالين من الناس.
والمعنى الصحيح لحرية الأقلية الدينية في التعبير عن خصوصياتها أنها لا تكره على تغيير دينها، وأنه يسمح لها بممارسة شعائر دينها كما يسمح لها بتعليم ذلك لأولادهم، لأن عقد الذمة مبني على ضمان حريتهم في ممارسة شعائر دينهم، وعدم التدخل في خصوصيات دينهم، وإن كان لا يجوز للدولة المسلمة أن تدفع راتبا من بيت مال المسلمين لمن يقوم بتعليم الأقليات الدينية دينها.
وأما الأقليات العقدية فإن هذه الأقليات مسلمة ومن ثم يجب عليها الالتزام بالإسلام كما أراده الله تعالى، وكما أنزله على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم، ولذا فإن دولة الإسلام لا يجب عليها تعليم مذاهبهم أو نشرها، بل لا يجوز لها -وفق قول العلماء في هذا الشأن- ذلك لأن مهمتها في الحفاظ على الإسلام وتبليغه للعالمين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *