الشيخ المكي الناصري يشرح بدقة خصائص السياسة البربرية إعداد: إدريس كرم

هذه مقتطفات من كتاب العلامة الشيخ المكي الناصري المعنون بـ: “فرنسا وسياستها البربرية في المغرب الأقصى”، قَدم بعضه كتقرير إلى المؤتمر الإسلامي العام وجميع مسلمي العالم من اللجنة الشرقية للدفاع عن المغرب، باعتبار فضيلته وقتها (مندوبا عن الأمة المغربية في ذلك المؤتمر سنة 1931).
وقد كتبت فصوله كما قال سيادته في المقدمة بجنيف، ونشر بمصر سنة 1932، وكان وقتها مطاردا من قبل فرنسا التي عملت بجد لدى السلطات المغربية لطرده من القاهرة بصفته شخصا غير مرغوب فيه، يعمل ضد دولة صديقة للمغرب!! عقابا له على ما قدمه للمؤتمر باسم الأمة المغربية، حيث طبع التقرير في القدس ووزع على أعضاء المؤتمر تحت عنوان: “حرب صليبية في مراكش”، ومما جاء في مقدمة الكتاب تحليلا لخصائص السياسة البربرية:
“السياسة البربرية: ليست جديدة كما يظنها كثير من إخواننا المسلمين بل هي سياسة قديمة، وقد نشأت هذه السياسة منذ اعتداء فرنسا على جارتنا الجزائر (1830/6/13) وهي سياسة ترمي لمقاومة الإسلام بصفة كونه قانونا وعقيدة وحارسا للثقافة العربية ومبشرا بين الناس، ومقاومته بصفة كونه دستورا أساسيا للأمة المغربية، كيّف عقليتها تكييفا خاصا، ونظم مجتمعها تنظيما يحميها من الفناء والاندماج.
وفرنسا عندما وضعت يدها على شمال أفريقيا فكرت في أن تضم إليها هذه الأمة المغربية المسلمة الممتدة من تونس والجزائر ومراكش ضما نهائيا، وأجمع ساستها ومستعمروها ومبشروها وعلماؤها الاستعماريون على أن هذه البلاد لا يمكن الاطمئنان عليها إلا بعد إبادة الإسلام بها بدعوى أنه دين يبث في معتنقيه عاطفة المقاومة للأجانب، ويحول دون اندماجهم في أهل الملل الأخرى، وهي تدعي أن البربر لم يبلغ الإسلام لقلوبهم وأن معرفتهم له سطحية لأنهم لم يعرفوه ولم يؤمنوا بتعاليمه، وأصبحت لا تتورع عن إثبات مسيحيتهم وأن المبشرين الذين نشرتهم إنما هم فقط يذكرونهم بدينهم القديم لا دعاة دين جديد ومعتقدات غريبة عنهم، بل أضافوا أن البرابرة الذين اجتازوا لإسبانيا كانوا مسيحيين، وقد ألف أحد مشاهير القانون الفرنسي المسمى “جيروا” كتابا قال فيه:
“بأن المغاربة مسيحيون يجب أن لا يتحاكموا للشريعة الإسلامية وهو ما قامت سلطات الحماية بتطبيق تلك الدعوى فأصدرت قوانين تمييزية انطلاقا من 1914، حيث صدر ظهير 11 شتنبر، قام بتحريره ريبوا صاحب كتاب “الجماعات القضائية البربرية”، حيث يقول فيه معلقا على ذلك الظهير: “إن ظهير 11 شتنبر سنة 1914 له أهمية عظمى، وهذا الظهير مأخوذ من السلطان نفسه، قد وضع مبدأ la nom islamisation “عدم إسلام القبائل البربرية”، وهذا نجاح عظيم لم يأخذ به أغلب السلاطين السابقين، فسلاطين المغرب رؤساء دينيون قبل كل شيء، كانوا يفرضون تطبيق القانون الإسلامي على جميع الأهالي الخاضعين لهم، لذلك فهذه سابقة أن يوقع سلطان مثل هذا الظهير دون كثير من الصعوبات”.
جاء في الظهير: “نظرا إلى أن قبائل جديدة تنضم يوما فيوم إلى الامبراطورية المغربية بفضل الأمن والسلام، ونظرا إلى أن هذه القبائل من الجنس البربري لها قوانين وعادات خاصة، تستعمل عندها منذ القدم ولها بها تعلق شديد، ونظرا إلى أنه يلزم لخير رعايانا ولطمأنينة إيالتنا السعيدة، رعاية الحالة العرفية التي تدير هذه القبائل، أصدر جلالة السلطان أمره بما يأتي:
الفصل الأول: قبائل العرف البربري تكون محكومة ومنظمة، طبق قوانينها وأعرافها الخاصة، تحت مراقبة السلطات، وتبقى محكومة ومنظمة كذلك.
الفصل الثاني: تصدر قرارات من وزيرنا الأكبر (رئيس الوزراء) بالاتفاق مع الكاتب العام للحكومة الشريفة، تعين شيئا فشيئا وحسب الحاجة.
أولا: القبائل التي تدخل في دائرة العرف البربري.
ثانيا: نصوص القوانين والتنظيمات التي تطبق على قبائل العرف البربري”.
قال ناقله لطف الله به: وقد تلى ذلك ظهير 21/9/1914 يبين القبائل ذات العرق البربري والتي هي: بني مطير، جروان، اخلاون، آيت عبدي، آيت مناصف من بني امكيلد، وآيت يعقوب، وآيت زكو، وآيت يعقوب من زيان؛ وهي فخذات من القبائل المقاتلة للغزاة.
ولم تأت سنة 1915، يقول فضيلة الشيخ “حتى صدر أمر المقيم العام ليوطي بتأليف لجنة خاصة للأبحاث البربرية، وحدد أغراضها في جمع الأبحاث المتعلقة بالقبائل البربرية من جميع أطراف المغرب، واستخراج نتائج علمية منها، تساعد فرنسا على تنظيم هذه القبائل وإدارتها بشكل يتفق مع المصلحة الفرنسية.
وتألفت بالرباط في 9 يناير 1915 تحت رئاسة الكاتب العام للحماية، وعضوية رئيس إدارة التعليم، ورئيس إدارة الأوقاف، ومدير إدارة الاستخبارات، ورئيس المكتب الحربي، ومدير المدرسة العليا للغة الفرنسية واللهجات البربرية التي أنشأها ليوطي سنة 1913 لهذا الغرض، وبعضوية جميع أساتذتها (كلهم فرنسيون).
وقد سجلت هذه الأبحاث أن إفريقيا الشمالية مسلمة بلا جدال، كما جاء في كتاب بيرون (المسألة الإفريقية ص:33)، إلا أن دعاة السياسة البربرية أعلنوا رغبتهم الجامحة في تخليص العنصر البربري من تأثير الإسلام، وضمه نهائيا لفرنسا ليكون على استعداد لأن يلعب في يوم من الأيام دورا فرنسيا جدا un role tres francais، وفي سنة 1924 وضعت الحماية مشروعا للتنظيم القضائي في قبائل سوس البربرية، وأرادت أن يضم هذه القبائل إلى ما يسميه العرف البربري، فكان جواب الحاكم الفرنسي لمقاطعة أكادير: إن هذه القبائل مسلمة متعمقة في الإسلام، وإن كل ما تحتفظ به إلى اليوم من عوائدها إنما يتعلق بالقضايا الجنائية، أما فيما عدا ذلك فهذه القبائل كلها تلجأ إلى القضاة الشرعيين وإلى القانون الإسلامي.
ومع ذلك واصلوا العمل من أجل إنشاء قانون عام للمغاربة لا يستمد من الإسلام في قليل ولا كثير ” Un droit marocain qui n’a mummement beesoin d’EMPRUNTER quoique ce soit au coron”
معتقدين بأن ذلك يتطلب عمل أجيال وأجيال”.
قال ناقله لطف الله به: وتوالت الظهائر المهتمة بذلك حيث صدرت تباعا في 2/6/1915، و27 أفريل 1919، و15 يونيو 1922، و27 يناير 1923، و10 غشت 1927، و4 غشت 1928، ليتوج العمل بظهير 16 ماي 1930 الذي كان بمثابة النقطة التي أفاضت الكأس وغيرت طرائق الصراع وبداية المواجهة الجديدة ضد الغزو والتمييز العنصري والقضاء على الهوية المغربية الإسلامية.
وعودتنا لهذه السياسة في ظل ما يواجهه العالم في ظل العولمة من محو الهويات وتمزيق الشعوب وما نتج عن ذلك من أعمال إرهابية دولية وجماعاتية في تبادل للعنف والتدمير والترويع والإرهاب، لن يسلم منه أحد في ظل ازدياد توافر إذكاء عوامل الحقد والكراهية المنبنية على تركة الاستعمار والاستكبار والتحقير والهيمنة الشاملة الهادفة إلى تنميط الحياة والسلوك الإنساني، الذي جعله الله وسيلة من وسائل التعارف والتعايش والتكامل لغاية يعرفها وحده، على أساس العدل والحرية والكرامة كما جاء في القرآن الكريم والسنة الشريفة: “كلكم من آدم وآدم من تراب، ولا فضل إلا بالتقوى”، ومصداقا لقوله تعالى: “إن أكرمكم عند الله أتقاكم”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *