تشتد حاجة الشعب المغربي يوما بعد آخر إلى أدوار الخطيب والإمام الريادية، بسبب المتغيرات الكبرى التي يعرفها العالم المعاصر، كالقيم والسلوكات العابرة للحدود والأوطان والثقافات، باسم العولمة والانفتاح، مما يؤكد حاجتنا الملحة لمن يذكر شعبنا المغربي المسلم بأصوله ومرجعياته في القيم والسلوك والأخلاق.
ولفهم ما نحن بصدده لابد أن نذكر بأدوار الإمام الطلائعية التي مارسها على مر الحقب والأزمنة في المجتمعات الإسلامية العريقة.
الإمام له مسؤوليته الكبرى في وصل العلاقات الروحية، وتمتين الروابط الاجتماعية بين المصلين، وذلك بتفقد أحوالهم، والسؤال عن متغيبهم، وزيارة مرضاهم، ومساعدة محتاجهم، والتخفيف عن معاناتهم، ومشاركتهم همومهم، والدعاء لهم.
كما يستحب أن نذكر بمسؤولية الإمام في المبادرة الفعلية إلى الإصلاح بين المتخاصمين من الأزواج وذوي الأرحام، والمتنافرين من الأصدقاء والأصحاب، والمتدابرين من القبائل والعشائر؛ وذلك بتشكيل مجموعة من أهل الفضل والصلاح، ممن اشتهر بالتقوى والورع من أهل الحي؛ للسعي في إصلاح ذات البين، ورد المياه إلى مجاريها. كذلك تأليف قلوب المحسنين على فعل الخير، والإحسان إلى الخلق، والالتفات إلى ضعاف الناس، وتشجيعهم على كفالة الأيتام، وإيواء المشردين من الأطفال، والقيام بتربيتهم وتعليمهم، والإنفاق عليهم.
وفي العمل الخيري الإحساني لابد أن يشجيع الإمام الأطباء والصيادلة وغيرهم من أهل الاختصاصات؛ على العمل الخيري، والإنفاق مما علمهم الله من اختصاص مهني، وذلك بالتنسيق بينهم في تأطير التعامل الإحساني مع فقراء المرضى ومستضعفيهم، ممن لا طاقة لهم على تحمل تكاليف العلاج وشراء الأدوية. كذلك أن يوجه المحسنين إلى صلة الفقراء في المناسبات الدينية والوطنية بشتى أنواع أعمال البر، كتوزيع الأضاحي والملابس، وتوزيع الحقائب المدرسية على الأطفال بمواسم الدخول المدرسي.
أما أدوار الخطيب في البلاد الإسلامية فهو الذي يقوم بخطبة الجمعة التي تكتسي أهمية عظمى في الإسلام؛ ليس من حيث هي عبادة مفروضة فحسب؛ ولكن أيضا من حيث هي قناة أساسية لتلقين جموع المصلين المفاهيم الدينية، والتصورات العقدية، والأحكام الشرعية. وكذا محاولة لإقناعهم عبرها -من حيث هي صناعةٌ خطابية- بما لم يكونوا متخلقين به من قبل، فعلا وتركا، مما يخص بعض التصرفات، أو بعض المواقف، أو بعض التصورات. كما أنها قد تكون وسيلة للتحميس، وإيقاظ الهمم تجاه عمل ما، أو مشروع ما. وعلى العموم فخطبة الجمعة لا تخرج في إمكاناتها الوظيفية عن طبيعة الصناعة الخطابية وأهدافها. ولكن هي قبل ذلك كله عبادة. والعبادة لها في الإسلام خصائص وقواعد وشروط؛ فلا يمكن والحال هاته أن تنخرط خطبة الجمعة في سياق الجانب الفني والصناعي بغير ضوابط شرعية. بل لا بد من الموازنة بين ما هو شرعي وما هو صناعي؛ لإنجاح العمل الخطابي الديني في سياقه التعبدي.
وعليه كان لا بد من فقه لضوابط الخطاب الديني في خصوص خطبة الجمعة، بما هي موجهة إلى المتلقين على سبيل التعبد.
فالأئمة والخطباء أهل وفاء وصفاء في هذه الأمة المغربية، وهم أهل التربية العظمى، التربية على الوحدة والوسع الفكري والأخوة الإيمانية والأخلاق والثوابت الإسلامية الأصيلة. ما يفرض عليهم التزام ما ذكرناه سابقا من مسؤوليات أمام الله عز وجل.
وفي نفس الوقت الذي نتحدث عن أدوار الإمام والخطيب في المجتمع، نجد تحديات واقعنا المعاصر لا تمهلنا وقتا للتفكير، فإما أن نتغلب عليها أم هي من سترسم لنا حدود الإمام والخطيب.
فأبرز هذه التحديات هو طغيان قيم وسلوكات مستوردة ودخيلة على مجتمعنا المغربي، جاءت بها العولمة الشاملة التي بشرتنا في البداية بعالم مليء بالزهور ينقلنا من “التخلف” كوصف مزعوم، إلى الحضارة والأنوار التي يسوق لها الغرب باستمرار.
هي العولمة التي اكتسحت فضاءات عيشنا ونمطت سلوك أبناء شعبنا في لباسهم وأكلهم ودراستهم وأذواقهم وأخلاقهم، ليبقى لنا من صورة المسلم إلا عبادات تمارس بدون لون ولا رائحة.
أي إسلام نتحدث عنه وأي تأثير للإمام والخطيب في محيطه إذا كان المغربي المسلم مستلب لثقافة وأخلاق وقيم وذوق دخيل لا صلة له بمرجعياتنا وأصولنا الإسلامية.
هي تحديات أمام الخطباء والأئمة والوعاظ، وجب استيعابها للتجديد في الأدوار والأساليب، حتى نبلغ المراد من خطب الجمعة ومن مساجد الله في الأرض.