عنوان الملف:
اعتاد الناس في عالمنا العربي الإسلامي أن يفسروا التحيز الأميركي لدويلة الكيان الصهيوني بأسباب سياسية وإستراتيجية، مثل المال اليهودي المؤثر في الحملات الانتخابية، والإعلام اليهودي المتلاعب بالرأي العام الأميركي، والصوت اليهودي الموحد في الانتخابات، ثم موقع الصهاينة كرأس حربة في المنطقة العربية، ذات الأهمية الإستراتيجية بالنسبة للولايات المتحدة.
لكن كل هذه التفسيرات تبدو سطحية وبعيدة عن الدقة، أو هي على أحسن تقدير ليست سوى مظاهر تعبر عن ظواهر أعمق وأرسخ. فالمال اليهودي في الانتخابات لا يصلح تفسيرا للإجماع السياسي الذي يحظى به دعم الدويلة الصهيونية في الأوساط السياسية الأميركية، حتى تنافس فيه المتنافسون من كل ألوان الطيف السياسي، إضافة إلى أن في أميركا من أهل الثراء غير اليهود ما يكفي وزيادة لمعادلة المال اليهودي.
والإعلام الصهيوني لا يكفي تفسيرا لانحياز شعبي كامل يبلغ درجة الاعتقاد، بل هو اعتقاد ديني عميق في بلد فيه من التعددية الإعلامية ما يكفي لبلورة رأي مخالف لو كان له أنصار.
وموقع الصهاينة في المنطقة العربية لا يكفي لتفسير التحيز الأميركي. فقد كان الصهاينة دائما مصدر حرج للنفوذ الأميركي في المنطقة العربية، أكثر من كونها مصدر دعم، إضافة إلى أن بعض حكام الدول العربية أغنوا أميركا عن دويلة الكيان الصهيوني في هذا المضمار أما الصوت اليهودي فليس موحدا بالطريقة التي يتخيلها البعض، بل فيه تعدد وتباين واختلاف. كما أن التحيز لدويلة الكيان الصهيوني أعمق وأرسخ في بعض الولايات الأميركية التي لا تكاد توجد بها جالية يهودية أصلا.
فعلى سبيل المثال فأن ولاية (مينوساتا) الأميركية يمثلها يهودي دائما في مجلس الشيوخ منذ عام 1978 رغم أن عدد اليهود بها لا يتجاوز 1% وقد افتخرت صحيفة (جيروسالم بوست) الصهيونية مؤخرا بأن ولاية (مينوساتا) الأميركية يمثلها يهودي دائما في مجلس الشيوخ منذ عام 1978، ويكفي أن نعرف أن نسبة اليهود في أميركا أقل من 3%، وأن نسبتهم في مجلس الشيوخ 10% لندرك أن الصوت اليهودي ليس أهم عامل هنا، ولهذا فإن الرجوع إلى التاريخ والتعمق في الخلفية الدينية المؤطرة للعلاقات بين أميركا واليهود، هو وحده الذي يقدم تفسيرا مقنعا لتلك العلاقات.
وحتى ننور الرأي العام ونكشف جانبا من العلاقة التي تربط كلا من الصهيونية المسيحية واليهودية، ومدى تأثير الصهيونية المسيحية بالذات في السياسة والقرار الأمريكي، استللنا هذا الملف من مجموعة أبحاث أبرزها: (المسيحية المتصهينة… أصولها وجذورها) للأستاذ إبراهيم نبيل.