كيف نشأت الخلافة العثمانية وكيف سقطت؟ محمد زاوي

هاجر أجداد العثمانيين إلى بلاد الأناضول، أوائل القرن 13 م؛ وقد كانوا آنذاك قبيلة كردستانية منحسرة العدد فارّة من توسع المد المغولي في آسيا. وقبل أن يستقروا بمنطقة (في بلاد الأناضول) أقطعهم إياها السلاجقة، ساهموا في حرب هؤلاء ضد البيزنطيين النصارى. فاتسعت رقعتهم باتجاه الروم، ثم على حساب السلاجقة بعد أن ضعفت شوكتهم وهانت دولتهم. (محمد علي الصلابي، الدولة العثمانية: عوامل النهوض وأسباب السقوط، دار التوزيع والنشر الإسلامية، الطبعة الأولى، 2001، ص 44)

يُنسَب العثمانيون إلى جدهم عثمان بن أرطغرل بن سليمان، الذي هاجر رفقة قبيلته من كردستان إلى بلاد الأناضول كما تقدم. وقد جاؤوا بمثابة استجابة لضعف الأمة الإسلامية وهوانها وتمكن الغزو من كثير من مفاصلها الرئيسية، كما فعل المغول مع بغداد. فقد اتسم سياقهم بأنْ “كان الخطب عظيما والحدث جللا، والأم ضعفت ووهنت بسبب ذنوبها ومعاصيها ولذلك سلط عليها المغول، فهتكوا الأعراض، وسفكوا الدماء، وقتلوا الأنفس، ونهبوا الأموال، وخربوا الديار” (نفس المرجع، ص:45). وهناك من قال إن “الفتن الواقعة في الأزمنة السالفة (قبل العثمانيين) أكثر من أن تحصر” (حاكم المطيري، الخلافة العثمانية ودورها في التجديد الديني وظهور الحركات الإصلاحية، ص 55).

عموما، يمكننا الحديث في تاريخ الدولة العثمانية عن أربعة مراحل:

  • مرحلة المقدمات:

وهي التي تحدثنا عنها في التوطئة، إذ تزامن ظهور العثمانيين (ولادة عثمان بن أرطغرل بن سليمان) مع سقوط الخلافة العباسية في بغداد (محمد علي الصلابي، نفس المرجع). فكان العثمانيون بمثابة “الاستجابة لتحدي” تفكك الأمة وغزوها وضعفها باستحضار نظرية أرنولد توينبي (نظرية “التحدي والاستجابة”). لم تكن الدولة، بما هي جهاز إداري وعسكري وإيديولوجي، قد تأسست في هذه المرحلة، ولكن مقوماتها الأولى كانت قد بدأت بالتشكل. الحديث هنا عن الإقليم والشعب والسلطة.

  • مرحلة التأسيس:

يعتبر عثمان بن أرطغرل بن سليمان هو مؤسس الدولة العثمانية، إلا أن التأسيس تم على فترات، كان أهمها تأسيس جيش نظامي في عهد السلطان أورخان بن عثمان. فعن طريق ذلك “تم إدخال نظام خاص للجيش، وتقسيمه إلى وحدات تتكون كل واحدة من عشرة أشخاص، أو مئة شخص، أو ألف شخص، وتخصيص خمس الغنائم للإنفاق منها على الجيش وجعله جيشا دائما بعد أن كان لا يجتمع إلا وقت الحرب، وإنشاء مراكز خاصة يتم تدريبه فيها”. (نفس المرجع، ص 53).

  • مرحلة التمكين والازدهار:

فقد تمكن العثمانيون في هذه المرحلة من إيقاف نار الفتن التي كانت تتخبط فيها الأمة، فـ”من فضائلهم تسكين الفتن، وأمن السبيل في أيامهم وقطع دابر المفسدين، وقمع الخوارج المتمردين، وقهر المتغلبين المارقين بخلاف أيام غيرهم (أي سالفيهم)، فكم كان فيها من فتن وهموم ومحن”.

ومما تميزت به هذه المرحلة أيضا مواجهة الحملات الصليبية على الشام ومصر وغيرها من بلاد المسلمين، ناهيك عن اتساع فتوحات العثمانيين في بلاد الروم. وفي هذه المرحلة أيضا، توسع العثمانيون في شمال إفريقيا ما عدا بلاد المغرب الأقصى التي بقيت في منعة منهم، وحافظوا على حدود الأمة الإسلامية في البلاد التي شملوها بسلطتهم. (حاكم المطيري، الخلافة العثمانية ودورها في التجديد الديني وظهور الحركات الإصلاحية، الصفحات من ص 55 إلى ص 64).

  • مرحلة الضعف والانهيار:

ضعفت الدولة العثمانية ابتداء من القرن 19 م، وبلغ هذا الضعف مداه بداية القرن 20 م، ما جعل الخلافة مهددة بالتفكك أكثر من أي زمن مضى. “فلم تعد البوسنة والهرسك أراض تركية إلا بالاسم وحسب، فقد ضمتا بشكل رسمي إلى اتحاد النمسا-هنغاريا عام 1908″، وبين عامي 1911-1912 احتلت إيطاليا شواطئ ليبيا التي كانت قبل ذلك جزءا من الخلافة، و”ثارت ألبانيا على الحكم العثماني”، وضمّ حلف البلقان (بلغاريا، الجبل الأسود، اليونان، صربيا) معظم الأراضي التي كان العثمانيون يسيطرون عليها في أوروبا (ديفيد فرومكين، نهاية الدولة العثمانية وتشكيل الشرق الأوسط، ترجمة وسيم حسن عبدو، دار عدنان، الطبعة الأولى، 2015، ص 58)، إلى غير ذاك من الانكسارات التي عرفتها الخلافة العثمانية بداية القرن العشرين.

لقد وجدت الخلافة نفسها في مأزق لا تحسد عليه، في بداية القرن العشرين، إذ أصبحت آنذاك محط الأطماع الإمبريالية الأوروبية التي كانت تسعى إلى تصريف فائض رأسمالها المالي إلى الدول المتخلفة، وواضح أن العثمانيين كانوا في تلك الفترة في عداد الأمم المتخلفة، بسبب انحسارهم جغرافيا وبالتالي جيوسياسيا في الغرب والشرق، وتخلف البنى الاقتصادية والاجتماعية لخلافتهم، واضطرارهم لدخول حرب عالمية (الحرب العالمية الأولى) لا قدرة لهم على الظفر بها أو توخي نتائجها الارتدادية على الأقل.

فما إن وضعت الحرب العالمية الأولى أوزارها (1918)، حتى أصبحت الخلافة العثمانية مهددة بالاحتلال أكثر من وقت مضى. ولما لم تكن السياسة القديمة مسعفة في صد الاحتلال، ظهرت تشكيلات سياسية جديدة استغلت الوضع لصالحها، فصدت الهجمات الاستعمارية وأسقطت الخلافة عام 1924م.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *